ما هذا الذي يحدث؟ أنا غير مقتنع بوجود أكوان أخرى حتى تقول لي يوجد شخص مثلك ولكن في عالم آخر! مؤكدٌ أن هذا شيءٌ من الجنون، أحاول بائسًا به جذبك لتقرأ المقال أو أنا مجنونٌ بالفعل…
حسنًا أنا أعذرك فكل النظريات المُسلّم بها الآن هُوجمت هجومًا شديدًا في الماضي ولكن هذا ما تقوله الرياضيات والفيزياء وعلم Cosmology الكونيات بدأ الأمر عندما فكر العلماء بعمق في نظرية الانفجار الكبيرBang Theory Big هذه النظرية التي تعد أكثر النظريات إقناعًا حاليًا بكيفية تكوّن كوننا، ولكن عانت هذه النظرية من لغز كبير لم تستطع حله، اسمها الانفجار الكبير أو الرجة الكبرى ولكنها لا تخبرنا شيئًا عن تلك الرجة كيف حدثت؟ وما الذي دفع بكل شيء للخارج في بداية الأمر؟
نظرية التضخم الكوني
عام 1979 وضع العالم آلان جوث نظريته التي تُدعى “نظرية التضخم الكوني” باختصارٍ، اكتشف جوث أن الجاذبية التي نعرفها قد تعمل بالمقلوب في الطور البدائي لكوننا، فبدلً من جذب الأشياء ببعضها تقوم بدفعها مسببة توسعًا ضخمًا فكانت كالطلقة التي أطلقت الانفجار الكبير.
ولكن سرعان ما اكتشف فيزيائيان روسيان أن معادلات التضخم تحمل في طياتها سرًا صادمًا بأن كوننا قد لا يكون وحيداً. الفيزيائيان هم أليكس فيلنكن Velenkin Alex وأندريه ليندي Andrei Linde، فكر الاثنان أن التضخم لا يتوقف تمامًا في نفس اللحظة بل يتوقف في مناطق، وفي أخرى لا، وبالتالي فإن الانفجار الكبير ليس حدثًا فريدًا من نوعه بل إن هناك انفجاراتٍ تحدث بشكلٍ مستمرٍ بسبب قوى التضخم المتبقية مسببة حلقة مفرغة من تكوين عددٍ لا نهائيٍ من الأكوان.
بالطبع كانت هذه نظرة جنونية جديدة للكون، ولاقت رد فعلٍ باردٍ من الفيزيائيين، ولو كانت هذه هي الأدلة الوحيدة على نظرية الأكوان المتعددة لكان اُغلق هذا الملف إلى الأبد. جاء الدعم من أماكن بعيدةٍ كل البعد عن بعضهما في العلم، أحدهما كان اكتشافًا عظيمًا لعلماء الفلك.
لنشرح الفكرة فإننا نعلم جميعًا أنه عند رمي كرة لأعلى فإن سرعتها تتباطأ بسبب الجاذبية حتى تتوقف وتسقط، ظنّ علماء الفلك الشيء نفسه للكون، أن التضخم يتباطأ؛ بسبب جاذبية النجوم والمجرات، ولكن عندما قاموا بالحسابات الفعلية وجدوا شيئًا مثيرًا للدهشة، شيئًا خَلخَل أسس الفيزياء، التضخم يتسارع وليس العكس!
الطاقة المظلمة
كما لو أن هناك قوة خفية تعاكس الجاذبية وتدفع بكل شيءٍ في الكون بعيدًا، ولأننا لا نرى هذه الطاقة أطلق عليها علماء الفلك Dark Energy المفاجأة الأكبر الطاقة الداكنة هي عندما قدّروا تلك الطاقة وجدوها صغيرة جدًا تكاد تكون صفرًا، وكان ذلك بعيدًا كل البعد عن الرقم الذي قدَّرته النظرية بالحسابات لدرجة أن عالمًا يدعى ستيفن واينبرغ قال: “هذا أسوء فشلٍ لنظام تقديرٍ تقريبيٍ في تاريخ العلم”.
وجد العلماء أيضًا أنه إن زادت قوة الطاقة المظلمة عن كوننا فلن تتكون النجوم والكواكب؛ بسبب سرعة التضخم، وإن قلت فسينهار الكون على نفسه، وبالتالي فإن هذا الرقم المتناهي في الصغر مناسب لتكوين الحياة، وأي تغيير فيه سيُغير شكل الكون عن الذي نعرفه، ولكن ما سبب هذا الاختلاف الجزري بين الرقم الحقيقي والرقم الذي تنبأت به النظرية؟
أرهق هذا العلماء في التفكير من وجهة نظر أن كوننا هو الكون الوحيد، ولكن إن كنا نتعامل مع أكوانٍ متعددة فقد يبدو هذا الأمر غاية في الوضوح، تخيل معي أنك في فندقٍ وأخذت رقم غرفة (10.000.001 (بالطبع سيكون هذا غريبًا، ولكن إن كان الفندق يتكون من مليارات الغرف فسيكون رقم غرفتك عاديًا جدًا، كما الحال في الفضاء ولدينا عدد مهول من الأكوان ولكلٍ منه طاقته المظلمة الخاصة.
نظرية الاوتار
ولكن يوجد جزءٌ ناقصٌ من الأحجية: كيف يُمكننا أن نتأكد من تنوع الأكوان المتعددة وإيجاد كونٍ طاقته المظلمة مساوية للرقم الذي تنبأت به النظرية، الحل يأتي من الدعم الثالث أو القدم الثالثة للنظرية، إنها: (نظرية الأوتار الفائقة). الكون كله سيمفونية، ويوجد ألحانٌ وإيقاعاتٌ تنتج بالضرب على أوتار هذا الوجود.
هذا هو المعنى الأدبي لنظرية الأوتار، ولكن من وجهة نظر العلم: كان كل شيءٍ في الكون يتكون من ذرات، والتي بدورها تتكون من بروتونات، والنيترونات التي تتكون من جزيئات أصغر تدعى ولكن أتت نظرية، Quarks الكواركس الأوتار لتعطينا نظرة أدق لتكوين الكون؛ حيث أن الكواركس تتكون من خيوطٍ رفيعةٍ جدًا لا عرض لها تقريبا، ولكنها طويلةٌ جدٌا تُدعى الوتر. إنها أصل كل شيءٍ في الكون، وتعطي أشكالً وخواص مختلفة للمادة حسب طريقة اهتزازها، وبالتالي بمعادلةٍ واحدة نستطيع وصف كل شيءٍ في الكون، وبهذا يتحقق حلم أينشتاين بوضع معادلةٍ واحدةٍ تصف كل كبيرٍ وصغيرٍ في الكون.
ولكنَّ هذه النظرية كانت تحتاج إلى شيءٍ فوق المنطق العام، شيءٍ قد يفتح الطريق نحو الأكوان المتعددة، ألا وهو أبعادٌ جديدة من الفضاء. نحن معتادون على الأبعاد الثلاثية المعروفة وهي الطول والعرض والعمق —باستثناء البعد الرابع لأينشتاين— ولكن في نظرية الأوتار هناك المزيد، ربما 9 أو 10 أبعاد ولكنَّ السؤال هنا لماذا لا نرى هذه الأبعاد؟ إذا كنت تشاهد خيطًا سميكًا من بُعدٍ سترى أنه يتكون من بُعدين اثنين فقط، بالرغم من أنه في حقيقة الأمر ثلاثي الأبعاد.
بتطبيق ذلك على الكون كله فإن النظرية تقول: إن الأبعاد الأخرى موجودةٌ، ولكنها متناهيةٌ في الصغر، نحتاج أن نكون أصغر بملايين المرات لنراها، ولكنَّ جهلنا بوجودها لا يجعلها مجرد خيال، فخال السنوات القليلة القادمة سيتم الانتهاء من بناء مصادم هدرونات عماق بسويسرا، فالأمل هنا لإثبات صحة وجود أبعادٍ أخرى.
فهو عبارةٌ عن آلةٍ تقوم بإرسال الجسيمات بسرعة الضوء عبر قناة في اتجاهاتٍ متعاكسة؛ حتى تتصادم الجسيمات ببعضها، فإذا كانت هناك طاقةٌ كافية أثناء التصادم ستُجبر بعض الشظايا على الانتقال إلى أبعادٍ أخرى، ولكن كيف سنعرف ذلك إذا حدث؟ ذلك عن طريق حساب الطاقة قبل وبعد التصادم، وإذا وُجد نقص في الطاقة، فإنه حتمًا قد انتقل جزءٌ من الطاقة إلى بُعدٍ آخر.
إن طريقة اهتزاز الأوتار في هذه الأبعاد تحدد خواص الكون تمامًا كما يُحدِّد الحمض النووي الكائن الحي. ولكن عندما بحث أصحاب نظرية الوتر عن شكل تلك الأبعاد كان عدد الاحتمالات عددًا فلكيًا من الأشكال المختلفة، وكلها تُعدُّ ممكنة بنفس النسبة، وبالنسبة لعلماء يحاولون الوصول لنظرية واحدة تفسِّر كل شيءٍ في الكون كان ذلك محبطًا ومخيبًا للآمال، ولكن من وجهة نظر علماء الكونيات والفلك كان ذلك مثيرًا جدًا.
فهذه الاحتمالات الفلكية وبما أن كل شكلٍ منها ممكن الحدوث ويمكنه أن يكون كونًا منفردًا بطاقةٍ مظلمة خاصة به مثل كوننا فنجد أننا حصلنا على نظرية الأكوان المتعددة مجانًا واقفةٌ على ثلاثة أرجل —التضخم الأبدي، والطاقة الداكنة، ونظرية الأوتار— فعندما تشير أكثر من نظريةٍ إلى شيءٍ واحدٍ يبدو الأمر أكثر إقناعًا.
فالآن يمكن أن يكون كوننا مجرد خلية في نسيج به ملايين الخلايا لكائن آخر يعيش في عالمٍ آخر. ويَظن العلماء أنه في ال 100 عامٍ القادمة ستكون فكرة الأكوان المتعددة شيئًا مُسلَّمًا به كباقي علمنا. وبالتالي إذا كنا نتحدث في أكوانٍ متعددة فإنه سيوجد عالمٌ مثلُ عالمنا نُوجَد فيه باختلافاتٍ بسيطة كما ذُكر في بداية المقال وظننتَ بي الجنون.
ذات صلة: ماذا يوجد داخل الثقب الاسود؟
ففي النهاية العالمُ بالنسبة لكل شخصٍ منا مختلف حسب حدود معرفته، فمن عاش في قريةٍ صغيرة طوال عمره يظن العالم أكبر من قريته الصغيرة بقليل، فبَعد معرفتك بكل ذلك ربما شعرت بأنه يوجَد الكثير لتعرفه وكان ذلك هدفي من البداية، ولكن مهما حصل الإنسان على علمٍ، فلن يتخطى نفسه وسيظل مخلوقًا محدود العلم، ولكن في نهاية المطاف سيصل الإنسان إلى مقدار العلم الذي حدده الله له منذ البداية، فمؤكدٌ أننا سنتخطى معلومات اليوم بمراحلَ عديدةٍ، ولكن لن نتخطى كوننا بشر، فنحن لسنا بآلهة في نهاية الأمر.
صفحة الفيسبوك | الانستجرام | تويتر | تيليجرام | جوجل نيوز