ما وراء ظلمة الكون

ما وراء ظلمة الكون
  |   فلك

إذا كنت تعتقد أن المادة في الكون هي كل ما تراه حولك فقط من أنهار، أو جبال، أو ناطحات سحاب، أو حتى مجموعتنا الشمسية بكل ما تحتويه من كواكب، ونجوم، ومذنبات فأنت مخطئ.
إن كل ما يمكن رؤيته في الكون لا يشكل سوى 5% فقط من الكون، إذا مما يتكون الجزء غير المرئى في الكون؟

حسنًا إليك الإجابة؛ إن 95% المتبقية من الكون تتكون من جزئين؛ هما المادة المظلمة، والطاقة المظلمة. فلنبدأ حديثنا عن المادة المظلمة (Dark Matter): تشكل حوالي 27% من المادة في الكون، ولا يمكن رؤيتها بشكل مباشر بالتلسكوبات؛ حيث أنها تتفاعل جاذبيًا، لكنها لا تتفاعل كهرومغناطيسيًا؛ أى أنها لا تُشع ضوئًا، ولا تتفاعل مغناطيسيًا، أى أنها تتكون من جسيمات غير مشحونة.

يستدل على وجود المادة المظلمة من آثار الجاذبية التي تمارسها على المادة المرئية، وتم التفطن إلى وجودها في ثلاثينات القرن الماضي، وكان العالم السويسري “فريتز زفيكي” Fritz Zwicky أول مَّن صرح بمصطلح المادة المظلمة، وجاءت من بعده العالمة ڤيرا روبين Vera Rubin لتؤكد وجود المادة المظلمة في السبعينات بدراسة سرعة دوران المجرة حول نفسها حيث تَبيَّن أن سرعات النجوم التي تُكون المجرة واحدة، لا تتناقص بالابتعاد عن مركز المجرة كما يُفترض.

تخيل أن الأمر مثل مجموعتنا الشمسية، فكوكب عطارد الأقرب إلى الشمس له أكبر سرعة، وكلما ابتعدتَ عن الشمس—أي كلما زادت المسافة— تقل سرعة الكواكب حتى تصل لكوكب نبتون حيث له أقل سرعة، لكن هذا لا ينطبق على سرعة النجوم في المجرة، والسؤال هنا هو: لماذا لا تتناقص سرعة النجوم بالابتعاد عن مركز المجرة؟ لأنه رغم وجود الكتلة الأكبر من النجوم في مركز المجرة —وهي المادة المشعة التي نراها— إلا أن المادة في الكون ليست كلها موجودة فيما نرى في مركز المجرة، بل هناك المادة المظلمة، وهي منتشرة في أطراف المجرة، وهي ما تجعل سرعات النجوم البعيدة عن المركز لها نفس السرعة مثل النجوم القريبة من المركز، وفي الحقيقة المادة المظلمة ليست موجودة في المجرة فقط، بل موجودة، ومنتشرة بشكل كبير في الكون، ولكن كمية توزيعها تجعل آثارها تظهر على المسافات الكبرى بين نجوم المجرة، وبين المجرات —بعضها البعض— لذلك لا تؤثر على سرعة الكواكب في مجموعتنا الشمسية حيث أن المسافات بين الكواكب صغيرة مقارنة بحجم الكون الهائل، فتحتوي على كمية صغيرة من المادة المظلمة يكون لها تأثير صغير لا يكاد يذكر.

أيضًا عند رصد المجرات يمكن من خلال كمية الضوء التي ترسله استنتاج كتلة المادة التي بها، فتبين أن هناك مجرات لها كتلة أكبر بكثير من كمية الضوء التي ترسله، لكن كيف هذا؟! نعم، إنها المادة المظلمة مرة ثانية؛ حيث وُّجِدَ أن تأثير الجاذبية أقوى مئات المرات مما يجب أن يُوجد، فلا بد أن هناك مادة لا يمكن رؤيتها هي ما يعمل على زيادة الجاذبية بين نجوم المجرات، وبين المجرات، وبعضها البعض، وتعمل على تماسكها، وهي ما تجعل سرعة النجوم واحدة، لا تتغير، ولا تتأثر بالمسافة.

مما تتكون المادة المظلمة؟ حتى الآن لا يعرف العلماء ماهية تكوين المادة المظلمة، فلا نعرف أكثر من أنها تتكون من جسيمات “دون ذرية” جديدة، وغير محددة، ومن الصعب اكتشاف ماهية المادة المظلمة؛ حيث أن تأثيرها ضعيف جدًا على المادة المرئية، فمليارات من تلك الجسيمات تمر خلال جسمك، وأنت تقرأ هذا المقال، ولا تشعر بها، لكن يمكن قياس نواتج تفاعل المادة المظلمة، مع بعضها البعض؛ حيث أنه عند اصطدام جسيمين من المادة المظلمة، ينتج عنهما جزئيان من أشعة جاما.

قام العلماء في (NASA) بتطوير تلسكوب (Fermi Gamma-Ray Space telescope) الذي يقوم بحساب أشعة جاما الناشئة عن اصطدام جسيمات المادة السوداء، ويأمل العلماء بالتأكد من ذلك بحيث لا تكون أشعة جاما ناشئة عن مصدر آخر، لهذا سيواصل المطياف عمله في الفضاء لزيادة المعلومات، والتأكد من مصدر أشعة جاما. 

الجزء الثاني —وهو الأكثر غموضًا— هي الطاقة المظلمة Dark Energy.
تُكون حوالى 68% من الكون، ليس لدينا الكثير من العلم في هذا الموضوع؛ حيث أن كلمة مظلم هنا تعني: الغامض الذي لا نعرف عنه إلا القليل، ولا نعرف ماهية هذه الطاقة، وظهر هذا المصطلح في تسعينات القرن الماضي، وتحديدًا 1998 عندما أوشك القرن على الانتهاء.

منذ الانفجار العظيم، والكون في تمدد مستمر، لكن في الآونة الأخيرة وجدنا أن تمدد الكون به تسارع، وأى تسارع يحتاج إلى طاقة، فافترض العلماء وجود الطاقة المظلمة التي تدفع الكون إلى التمدد بسرعة أكبر.
مازال لدينا الكثير لنعرفه خلال الأيام المقبلة عن اكتشاف، وحتى إنتاج الطاقة المظلمة في المختبرات. 

إعداد: محمد صابر

المؤلف - ريكاب

مجلة علوم عربية تهتم بتقديم محتوى علمي لنشر الثقافة العلمية والإحاطة بكل ما هو جديد في مجالات الهواتف الذكية والإنترنت.

لا يوجد تعليقات

كتابة تعليق