“مرحبا! هل أنت هناك؟ كيف حالك يا نظيري؟ وكيف حال الكون الخاص بكم؟!” هل تصدق أن تدور هذه المحادثة بينك وبين نظيرك في كون آخر يومًا ما؟ ولم لا؟
قد تبدو لك من الوهلة الأولى محض هراء ولكن كانت العديد من النظريات العلمية في بادئها هكذا وأصبحت الآن واقعًا، قد تبدو أنت ونظيرك متشابهان في الشكل ولكن ستختلف ظروفكما حتمًا، قد تكون أنت معلمًا في إحدى مدارس كونك ونظيرك في كون آخر يصنع البيتزا، لقد انقرضت الديناصورات من كونك ولكن في كون آخر نجحت في البقاء ولم يوجد جنس البشر أصلًا… ولكن ما الذي دفع العلماء إلى افتراض عدد لانهائي من الأكوان؟
في عام 1954، جاء مرشح للدكتوراة من جامعة برينستون يدعى “هيو إيڤيرت” بفكرة جذرية أنه يوجد أكوان متوازية شبيهة بكوننا وعلى علاقة وثيقة بنا، في الواقع هم متفرعون منا وكوننا متفرع أيضًا من آخرين. كان يحاول ايفيريت بهذه النظرية أن يجيب عن سؤال صعب متعلق بفيزياء الكم وهو “لماذا تتصرف الأجسام الكمية بشكل عشوائي غير منضبط؟ ” لاحظوا سلوكًا غريبًا تسلكه الجزيئات على مستوى الكم متخذة أشكالًا مختلفة بشكل اعتباطي، على سبيل المثال لاحظوا أن الفوتونات (رزم صغيرة من الضوء) تتصرف كجسيمات وكأمواج وتقوم بهذا التناوب في نفس اللحظة، تخيل أنك تتصرف كإنسان صلب حينما ينظر إليك صديقك لكن حينما يلتفت ثانية تكون قد تحولت إلى غاز!
حالة الشئ الموجود في كل حالاته الممكنة في نفس الوقت تسمى بالوضع الفائق “superposition function” فطبقًا لبور حينما نقوم بملاحظة شيء كمي فنحن نؤثر في سلوكه، بالملاحظة تكسر حالة الوضع الفائق للشيء وتجبره على اختيار حالة واحدة ليظهر عليها؛ فمثلًا نظرية شرودنجر المشهورة بـ “قطة شرودنجر” التي تخيل فيها وضع قطة في صندوق معها غاز مميت ومادة مشعة وعداد جايجر “Geiger counter” لكشف وجود المادة المشعة وشاكوش بحيث عند تحلل المادة المشعة عداد جايجر سيكشفها وبطريقة ما سيحرك الشاكوش فيقع ويكسر الزجاجة التي تحتوي علي الغاز المميت فتشم القطة الغاز وتموت، لكنه اختار مادة مشعة تتميز أنها بعد ساعة 50% منها يتحلل وتموت القطة أو 50% لا تتحلل والقطه لاتموت وهذا من وجهة نظر المنطق، لكن وجهة نظر ميكانيكا الكم أن كل ذرة من المادة المشعة ستكون متحللة وليست متحللة في نفس الوقت —وضع “superposition”— يعني أن القطة حية أو ميتة في نفس الوقت مادام الصندوق مغلق وأنت لا تراها ولكن إذا فتحت الصندوق ستجبرها أن تظهر بحالة واحدة أمامك إما حية أو ميتة. من زاوية العالم إيڤيرت فهناك كونان، أحدهما تكون القطة فيه حية وفي الآخر تكون ميتة! هل هذا يعني أنه مع كل حدث له عدد معين من الاحتمالات تظهر أكوان مساوية لعدد الاحتمالات؟ هذا أقرب إلى الخيال العلمي وليس ما تخيله إيڤيرت هو ما يقوي هذه النظرية.
هناك شئ آخر دفع العلماء لتبني هذه النظرية وهي الطاقة المظلمة “dark energy” ياصديقي… أنت تعلم سابقًا أن هذه الطاقة هي المسؤولة عن تسارع تضخم الكون الهائل فهي القوة المعاكسة للجاذبية، وجد العلماء فرقًا كبيرًا بين قيمة هذه الطاقة بالحسابات والرياضيات وقيمتها في الواقع؛ ففي الواقع وجدوا أنها تقل قيمتها علي الورق بمقدار هائل لدرجة أن عالم يدعى “ستيڤن واينبرغ” قال: “هذا أسوأ فشل لنظام تقدير تقريبي في تاريخ العلم”، كيف تكون القوة المسؤولة عن تضخم الكون بهذا الصغر؟ حيث أنها تبلغ 10^-120 (120ألفًا من الأصفار) تقريبا مساوية للصفر وأيضًا لو أزلنا ثلاثة أو أربعة أصفار فقط من هذا الرقم بديهيًا لن يؤثر في قوة الطاقة فمازال الرقم صغيرًا جدًا ولكن وجد العلماء عكس ذلك؛ حيث ستصبح الطاقة المظلمة أقوى مما عليه سابقًا بحيث لن تسمح بتكون النجوم والكواكب وسينهار الكون على نفسه كلما قلت عن قيمتها. إذن كيف من الممكن أن تكون قيمتها بهذه الدقة ليتكون كوننا وتوجد حياة؟ وجد العلماء أن نظرية تعدد الأكوان “multiverse” قد تجعل كل شئ منطقي حيث أن لكل كون قيمة طاقة مظلمة خاصة به ويصادف أن كوننا يمتلك قيمة ضئيلة جدًا.
إعداد: هاجر محمد
صفحة الفيسبوك | الانستجرام | تويتر | تيليجرام | جوجل نيوز