طالما كان الضوء لغزًا لكثير مِن الناس، ولطالما تغنّى به الشعراء، وبجمال ألوانه في الطبيعة، وألوان قوس قزح، لكن هذا الولع بالضوء لم يكن لدى الشعراء فقط، وإنما طال أيضًا العلماء، وفي هذا المقال سوف نحاول أن نعرض مراحل اكتشاف الضوء خال العصور.
منذ 2500 عام تقريبًا وتحديدًا في اليونان؛ أراد (أميدوقليس) أن نعرف كيف نرى الأشياء ولذلك قال أن هناك شعاع يخرج مِن العين في خط مستقيم يجعلنا نرى الأشياء.
قد تبدو هذه فكرة غربية، لكن هذه الفكرة قد تم عليها بناء نظريات كثيرة، وعلى سبيل المثال: العالم اليوناني (يوقليد) الذي استطاع تفسير لماذا تبدو الأشياء أكبر عندما تكون أقرب؟ وأرجع هذا لاختلاف زوايا الشعاع الذي يخرج من العين. كان الحسن بن الهيثم يعكف في البصرة على ترجمة المؤلفات الإغريقية؛ ليكسب منها قوت يومه.
إلى أن طلب منه الحكيم -الذي كان يؤمن أن العلم هو مفتاح التحكم بعناصر الطبيعية، وكان أيضًا والي مصر في ذلك الوقت- أن يبني سدًّا؛ ليتحكم في الفيضان وإلا قتله! أدرك ابن الهيثم أن هذا مستحيل؛ ولذلك ادّعى الجنون. نجحت خطة ابن الهيثم، لكن ليس بالشكل المطلوب فقد نجا من الموت، ولكنه أُرسل إلى السجن. وفي داخل السجن بدأ يلاحظ شروق الشمس، وغروبها، وكيف أنه يرى في وجود مصدر للضوء، وأن هناك خطأ بمؤلفات (أميدوقليس)، وأن العين أداة لاستقبال الضوء، لا لإصداره، وعكفَ يدرس الضوء واكتشف قوانين، مثل: قوانين الانكسار ومعظم القوانين التي تقوم عليها النظارات.
كان جاليليو —أو كما أطلق عليه آينشتاين أبو العلم الحديث— أحد أعظم العلماء في التاريخ ليس فقط في مجال الضوء، لكن في كثير من المجالات، فهو أول مَن خالف أرسطو، وقال أن الأشياء تهبط إلى الأرض بنفس السرعة بغض النظر عن الوزن، وصعد إلى برج بيزا ورمى جسمين ذي وزنين مختلفين ليثبت ذلك، وكان مولعًا بحركة البندول، واستطاع التحكم بها؛ ليصنع الساعة.
ذات صلة: مشروع لايجو وموجات الجاذبية
أمَّا بخصوص الضوء فقد اطلع على مؤلفات العالم (ليبرشي)، وصنع تيليسكوبًا متميزًا جدًا؛ بدأ ببيعه إلى مختلف دول أوروبا، لكن سرعان ما اكتشفوا كيفية صنعه، وتوقفوا عن شراءه من جاليليو، وساءت أوضاعه المالية، فاتجه إلى دراسة حركة الكواكب والنجوم، وهنا اكتشف جاليليو المشترى، واكتشف أن له أربعة أقمار أُطلق عليها أقمار جاليليو، ومِن ثَمَّ نشر جاليليو كتابه الذي فيه ملاحظاته، وأن الأرض مجرد كوكب يدور حول الشمس -مثله مثل المشترى- في كون كبير جدًا، وهو ما خالف اعتقاد الكنيسة بأن الأرض مركز الكون، وهنا تمت محاكمته بتهمة الهرطقة وحكم عليه بالإقامة الجبرية وأُصيب بالعمى وبفتق مؤلم، وتوفّي عام 1642م تاركًا خلفه إرثًا عظيمًا.
وقد كان الصراع —في ذلك الوقت— يدور حول لماذا ينقسم الضوء إلى سبعة ألوان؟ ظل العالم المشهور (رينيه دي كارت) يظن أن الضوء يتكون مِن جزيئات صغيرة تدور حول نفسها، وأن الضوء الأبيض أنقي أنواع الضوء، وأنه عندما يمر خلال المنشور يحدث له تلوث وتتغير سرعة الدوران ومِن ثَمَّ يعطينا السبعة ألوان.
لم يقتنع الشاب اليافع في الحادية والعشرين من عمره، ولذلك كان على (نيوتن) أن يأتيَ بتجربة تثبت خطأ هذا الكلام.
فلكي تَثبُتَ صحة نظرية نيوتن من أن الضوء الأبيض هو خليط من الألوان السبعة، وأن كل ضوء هو مستقل بذاته، وضع منشورًا، ثُمَّ قسَّم الضوء إلى سبعة ألوان، ومن ثَمَّ جعل السبعة ألوان تسقط على لوح خشبي وفي هذا اللوح الخشبي فتحة صغيرة تسمح بمرور اللون الأحمر فقط، وبهذه الطريقة حصل نيوتن على لون أحمر نقي، ومن ثَمَّ جعل هذا اللون الأحمر يسقط على منشور ثانٍ؛ وكانت هذه هي النقطة الفاصلة، فإذا انقسم اللون الأحمر إلى ألوان كثيرة فهو دليل على حدوث ثلوث للضوء وتغير سرعة دوران الجسيمات الصغيرة المكونة له، وأمَّا إذا لم يحدث تغير، فهذا دليل على أن اللون الأبيض هو خليط من كل الألوان وكل لون مستقل بذاته، وهذا ما حدث فعلاً.
بهذا انتصرت نظرية نيوتن، لكن حتى ذلك الوقت لم يبحث أحد في طبيعة الضوء، كان الاعتقاد السائد هو أن الضوء مكون من جسيمات صغيرة جدًا، وهذا ما اعتقده نيوتن أيضًا، إلى أن جاء (توماس يونج)، وأثبت عن طريق تجربة الشق المزدوج أن الضوء موجة، وظلّ المجتمع العلمي راضيًا عن فكرة أن الضوء موجة إلى أن جاء (ماكس بلانك) وعن طريق دراسة إشعاع الجسم الأسود وعن طريق المعادلات, وجد أن الضوء يجب أن يكون مكون من جسيمات صغيرة، وهنا أصبح لدينا نظريتان، هما: أن الضوء جسيمات، وهذا ما كان يعتقده بلانك وآينشتاين، وأن الضوء موجة، وهذا كان مدعوم بتجربة يونج الحاسمة.
كان لابد مِن حل، فكلا الفريقين على صواب، وهنا ظهرت فكرة الطبيعة المزدوجة للضوء، وهي أن الضوء يتكون من جسيمات صغيرة جدًا تُدعى الفوتونات، وهذه الفوتونات تتصرف كموجة لها خصائص الحيود، والانكسار، ويعود الفضل لهؤلاء العلماء العِظام فيما وصلنا إليه اليوم من تقدم، وكما قال جاليليو: توجد الفلسفة في هذا الكتاب الكبير —كتاب الكون— وهو مفتوح لنا باستمرار.
لكن لا يمكننا فهم الكتاب إذا لم نعرف اللغة التي كُتِبَ بها ولم نحاول تعلم الحروف المستخدمة في كتابته. إنه مكتوب بلغة الرياضيات، وحروفها هي الدوائر، والمثلثات، وأشكالٌ أُخرى هندسية من دونها لا يستطيع الإنسان فَهم حتى كلمة واحدة من الطبيعة والكون، ومن دونها يضل الإنسان في دهليزٍ كبيرٍ مظلمٍ…
https://www.britannica.com/biography/Ibn-al-Haytham
صفحة الفيسبوك | الانستجرام | تويتر | تيليجرام | جوجل نيوز
غير مسموح بالتعليق حاليا.