فور أن رأيتُها تمشي لا أدري ماذا أصابني؟! أشعر وكأن جبلًا جليديًا قد انهار عليّ، شُلّ عقلي تمامًا عن التفكير، لا أفكر إلا في أمرٍ واحد: “ماذا لو هاجمتني؟!” تتسارع ضربات قلبي و تحاول أنفاسي أن تلحقها.
حسنًا.. سأستجمع قواي قبل أن يُصيبني الإغماء وأطلب من أحدهم المساعدة أو أغيّر الطريق.
إنه رُهاب الحيوانات أو ما يُعرف بـ”فوبيا الحيوانات”.
“Phobia” كلمة يونانية الأصل وتعني “الخوف من” تستخدم في معظم اللغات الأوروبية ومنها الإنجليزية كمقطع يُضاف إلى نهاية كلمات معينة؛ ليشير إلى الخوف المَرَضي منها.
رهاب الحيوانات أو “Zoophobia” هو خوفٌ غير مُبرَّر ومستمر تجاه حيواناتٍ معينة، يُرجِع العلماء سبب رهاب الحيوانات إلى عاملين أحدهما چيني والآخر بيئي؛ حيث يُعتقد أن العامل الچيني يساهم بنسبة 25%:65% ولكن لم يتم التعرف على أو تحديد هذه الچينات بعد، على الرغم من تأكد العلماء من وجودها.
وأما عن العامل البيئي، قد يكون سبب الـ “Zoophobia” هو التعرض لمواقف مخيفة صدرت من حيوان معين في الطفولة أو ربما رؤية رد فعل شخص مصاب بالـ Zoophobia عند رؤية الحيوان الذي يخاف منه.
ولكن من غير المعقول أن يتسبب حيوانٌ واحد في أذى الشخص فيَخاف من النوع بالكامل أو قد يتطور الأمر إلى الخوف من جميع الحيوانات؛ إن العقل عادة ما يستخدم أسلوبًا في التفكير السلبي يُعرف بالتعميم؛ فيُنشئ اعتقاداتِ خاطئةٍ بناءً على موقفٍ واحدٍ فقط مع حيوانٍ واحدٍ فقط.
ولكن ماذا يحدث داخل أجسامنا كي نشعر بالخوف؟ كيف يُعقل أن مجرد رؤية ذلك الحيوان الضعيف أو ملامسته أو حتى التفكير فيه يُفقدني صوابي ويجعلني أقف على عتبة الجنون؟!
عادةً ما تطلق حواسنا صافرة البداية عند رؤية الحيوان أو سماع صوته أو ملامسته (رغم أنه ليس مخيفًا إطلاقًا إلا أنه يرتبط في ذاكرتك بحادثٍ مؤلم)، تنتقل الإشارات الصوتية و الضوئية إلى منطقة المهاد في المخ Thalamus؛ ليتم معالجتها ثم إرسالها مباشرة إلى منطقةٍ من المخ تُعرف باللوزة Amygdala وهي الجانب العاطفي من المخ أو إلى القشرة المخية Cortex وهي الجانب العقلاني من المخ.
بينما تنتقل الإشارات القادمة عبر حاسة الشم خاصة إلى اللوزة مباشرة دون المرور على المهاد، مما يجعلها أقوى وأسرع تأثيرًا؛ ألم يسبق لك أن أثارت رائحة معينة بداخلك ذكريات و مشاعر قوية؟
جاء دور اللوزة الآن لتقوم بمعالجة الإشارات الخام القادمة من الحواس لتطلق الاستجابة بالخوف، يحدث هذا قبل أن تعيَ إحساسَ الخوف.
ثم يأتي دور الغدة النخامية ومنطقة تحت المهاد Hypothalamus؛ فهما يؤثران على الغدة فوق الكلوية كي تفرز كميات كبيرة جدًا من الكورتيزول؛ لدوره الكبير في مواجهة الضغوط النفسية مثل الخوف، و لكنَّ إطلاق مثل هذه الكمية في الدم يؤثر على خلايا منطقة الـHippocampus المسئولة عن الذاكرة مما يجعلها غير قادرة على تذكر مواقف مماثلة، كما لو كانت فقدت محتواها.
حان وقت عملك أيها الجهاز السيمبثاوي، فيزداد معدل دقات القلب مع سرعة التنفس وضغط الدم، أيضًا ترتعش النهايات العصبية في الجلد وتتسع حدقتا العين لتحقق رؤية أفضل، حيث تُهيئك كمية الأدرينالين الضخمة إلى اتخاذ قرار إما المهاجمة أو الفرار.
يقوم عقلك الآن بالتركيز على المخاطر التي تداهمك ويسحب التركيز من عمليات الهضم وربما يودّ إفراغ القناة الهضمية وكأنه يقول لك ساخرًا: “أنت على وشك أن تكون عشاءً دسمًا الآن، فما الحاجة إلى هضم عشائك؟!”
لن نستمر هكذا كثيرًا حيث يبدأ ظهور الجانب العقلاني في وسط هذه الفوضى؛ حيث تتخذ بعض الإشارات القادمة من الحواس طريقها من المهاد إلى القشرة المخية، وليس إلى الـAmygdala كي تتولى هي الحكم عليها، فلو كان الخوف من خطرٍ حقيقي؛ فإنها ترسل الإشارات إلى الـAmygdala كي تكمل عملها، أما لو كان ناقوس الخطر قد توقف؛ فتتولى “القشرة الأمام جبهية” Prefrontal cortex مهمتها في إيقاف هذا الإحساس بالخوف إراديًا.
أما عن العلاج…
كبداية، تخلص من التفكير السلبي و لا داعي للتعميم؛ فالحيوان الذي تسبب لك بالأذى هو وحده سيء لكن البقية لطيفة وجديرةٌ بالحب وليس الخوف، هذه الخطوة مهمة جدًّا وستجعل العلاج أسهل بكثير.
أما عن الخطوة الأكثر فعالية فهي التعرض التدريجي.. نبدأ بمشاهدة صور، أو مقاطع فيديو للحيوان لحين الشعور بالقدرة على التحكم في ردود الأفعال، ثم نزيد من كثرة التعرض للحيوان .
إعداد: آية كرم
صفحة الفيسبوك | الانستجرام | تويتر | تيليجرام | جوجل نيوز