سؤال قلما ما يتبادر إلى ذهننا، وربما يكون السبب في ذلك أن الموت حقيقة حتمية لا شك فيها، بل ربما تكون الحقيقة الوحيدة التي يتفق عليها جميع البشر باختلاف أعراقهم ومعتقداتهم الدينية، ولكن لماذا أصبح الموت حقيقة يجب تقبلها؟
إذا نظرنا إلى متوسط أعمار البشر خال التاريخ, فسنجده يتراوح ما بين الخامسة وعشرين عامًا حتى الخامسة والثلاثين في حقبة ما قبل الميلاد, ومن ثم يتزايد تدريجيًا حتى يصل في عصرنا الحالي الى السبعين عامًا (ذلك بافتراض ان الفرد لم يمر بأي حادثة تغير من مجرى حياته بشكل أو بآخر) وسيكون السبب في الموت حينها هو التقدم في السن.
لا يعتبر التقدم في السن أحد الأمراض المعترف بها كالسكري وضغط الدم وأمراض القلب وخلافه, ولكن بالرغم من ذلك فهو يعتبر العامل الأساسي في ظهور معظم تلك الأمراض, وربما يعود ذلك إلى أن التقدم في السن يعتبر عملية طبيعية لا دخل للإنسان أو الظروف المحيطة بها, بل إن التقدم في السن يساهم في زيادة قوة الإنسان وتحسن قدراته في المرحلة الانتقالية ما بين الطفولة والشباب, ولكن سرعان ما تصل إلى نقطة في حياتك يبدأ حينها التقدم في السن في العمل بطريقة عكسية, فيبدأ الجسم تدريجيًا في فقدان قدراته حتى يصل إلى نقطة النهاية.
ولكن هل سألت نفسك ما الذي يساهم في عملية التقدم في السن؟ وهل يعتبر التقدم في السن عملية تتم على المستوى الميكروسكوبي؟ للإجابة على هذا السؤال، فنحن نحتاج إلى فهم طريقة عمل الخلية، فالخلية عندما تموت لسبب أو لأخر، تقوم الخلايا الأخرى بالانقسام حتى تقوم بتعويض ذلك النقص، ولكن عملية الانقسام ليست بالعملية الدائمة، فقد وجد العالم الأمريكي ليونارد هايفليك أن الخلية قادرة على الانقسام حتى حوالي الخمسين مرة، ومن ثم تصبح خلية مسنة مآلها الموت، والسبب في ذلك يرجع إلى مكون أساسي في يتسبب في تلك Telomere ” الخلية يُسمى بال”تيلومير الظاهرة، حيث أنه ومع كل انقسام، يصبح ذلك المكون —الأساسي في عملية الانقسام— أقصر فأقصر، حتى تعجز الخلية عن الانقسام وتصبح خلية مسنة.
يسعى العلم الحديث الآن إلى إيجاد طريقة لمنع حدوث هذه الظاهرة للتيلومير، وبالتالي تصبح الخلية معمرة، ويتوقف التقدم في السن، وهو ليس بالأمر المستحيل، حيث أنه يحدث بالفعل في حيوان السلطعون، حيث أنه قادر على الحفاظ على التيلومير الخاص بالخلية أثناء انقسامها، ويستطيع العيش للأبد دون التقدم في السن، ويكون السبب الوحيد في موته هو اصطياده على يد الإنسان أو أحد الحيوانات الأخرى؛ إذًا كيف نصبح مثل السطلعون؟
في الحقيقة الجواب والحل موجود بالفعل لدى العلماء، يساهم في الحفاظ على Telomerase فإنزيم التيلوميريز أثناء عملية الانقسام، وبالتالي يمنع التقدم في السن، ولكنه ساح ذو حدين، فبالرغم من أنه سيحافظ على قدرة الخلية على الانقسام للأبد وبالتالي يطيل من عمر الإنسان، إلا أنه يمكن أن يحولها إلى خلية سرطانية؛ وذلك لأن الخلية السرطانية تستطيع الانقسام للأبد بسبب وجود هذا الإنزيم, وهذا ما يجعل السرطان من أخطر الأمراض في العصر الحديث، الأمر الذي يؤدي إلى أعراض أخطر من تلك التي تحدث بسبب التقدم في السن. فهل سنرى في يوم من الأيام علاج يؤدي إلى منع حدوث تلك الظاهرة للتيلومير دون التحول إلى خلية سرطانية؟
صفحة الفيسبوك | الانستجرام | تويتر | تيليجرام | جوجل نيوز