نزال حقيقي بين أنواع مصادر الطاقة المختلفة ، هو نزال في مجال البحث، و نزال في مجال الصناعة , و نزال في السوق العالمي للمستهلك، نرى من يؤيد الطاقة النظيفة و يعلنها أنها الأفضل ، و الآخر يرى أن طاقة الوقود الحفري لا غني عنها، فقبل أن تشرع في القراءة حدد موقفك هل تؤيد هذا الفريق أو ذاك وما هي أسبابك …
كانت في المناهج الدراسية منذ الصغر بعض الكلمات التي كثر ترديدها، منها موضوعات الطاقة النظيفة , وكثيراً ما ترددت على مسامعنا فكرة استبدال الطاقة النظيفة لمصادر طاقة الوقود الحفري، اليوم نحن في نزال فكري بين الطرفين، فريق يري إن طاقة مصادر البترول لا بديل لها، و فريق مؤيد لإمكانية انتصار طاقة الشمس و الرياح يوماً ما.
لكن كي نُكون حكماً دقيقاً في أي مسألة لابد في البداية أن نتعرف علي كلا الخصمين، فدعنا الآن نبدأ بالبطل القديم للثورة الصناعية و الأساس الذي بني عليه أعمدة التقدم البشري.
إن الوقود الحفري – ويشمل كل من زيت البترول والغاز الطبيعي والفحم – هو أكبر مصدر للطاقة يستخدمها الإنسان منذ عدة قرون، و ليس معنى الطاقة هي الكهرباء فقط، ولكن تلك المنتجات تستخدم في العديد من التطبيقات غير إنتاج الكهرباء، و السيارات و المعدات الثقيلة خير مثال، و بما أننا في منافسة فمن واجبنا التعليق على قدرات كل منافس من حيث المزايا والعيوب .
إن عملية إنتاج الكهرباء من الوقود الحفري تعتمد في الأساس علي حرق المنتج الحفري وذلك للحصول علي ارتفاع كبير في ضغط و حرارة ناتج الحرق – العادم – و الذي بدوره – وبطرق ميكانيكية عن طريق التوربينات – ينتج ما نسميه بالتيار الكهربي و ذلك من خلال تطبيق نظريات الحث الكهرومغناطيسي، و كلنا نعلم مدى الضرر البيئي الذي تسببه نواتج حرق المواد الحفرية من إنتاج غازات أكاسيد الكربون والكبريت، فالأول متهم في قضايا التغير المناخي، و الآخر لا يقل إجراما بتأثيره على صحة الكائنات الحية و تعريض السلاسل الغذائية للإنهيار و خاصة البحرية منها.
لكن إن نظرنا للمنافس، فإن للطاقة النظيفة – والتي بدورها تتمثل في كثير من الأشكال مثل الطاقة الشمسية و طاقة الرياح و الطاقة الحرارية من باطن الأرض – فلها العديد من المزايا و أشهرها علي الإطلاق هو خلوها من الملوثات البيئية، لكن هل فعلا الطاقة الشمسية وما شابهها في لفظ الطاقة النظيفة لا تساهم في أزمات البيئة؟
إن مبدأ عمل نظم الطاقة الشمسية – باعتبارها أكبر المساهمين في مبدأ الطاقة النظيفة – يعتمد على إسقاط ضوء الشمس على لوح مزدوج الوجه من مادة شبه موصلة أحدهما سالب الشحنة و الآخر موجب فينشأ بينهما فرق جهد كهربي نتيجة انتقال الإلكترونات من السطح المواجه للمصدر الضوئي، وبالتالي ينتج التيار الكهربي المنشود.
أما في حالة طاقة الرياح كثاني أكبر الأسماء في مجال الطاقة النظيفة , فهي تعتمد علي إدارة توربينات مثل تلك المستخدمة في أنواع الوقود الحفري , و لكن الإختلاف بينهما ينتج فقط في عامل التشغيل , فالوقود الحفري كما سبق يتم حرقه للحصول على ارتفاع في الضغط و الحرارة لتحريك التوربينات ,أما في حالة الطواحين الهوائية فالعملية متمثلة في استخدام ضغط و سرعة الرياح لتحريك التوربينات بغض النظر عن الحرارة .
و استخدام الألواح الشمسية حاليا يمثل نسبة أقل من ال10% من إجمالي الاستهلاك العالمي للطاقة و تمثل الطاقة النظيفة إجمالا نسبة تقارب 20 % بينما باقي الـ100 فتمثلها مصادر الوقود الحفري – طبقاً لإحصائية في 2008 من قبل إدارة معلومات الطاقة الأمريكية – و لكن أغلب استخدامات الطاقة الشمسية إنما تنحصر في استخدام التيار الكهربي المنتج في عمليات تسخين المياه و تدفئة المنازل، وذلك لصعوبة تخزين الطاقة الكهربية المنتجة من خلايا الطاقة الشمسية و المصادر النظيفة الأخري، و هذا عصب سؤالنا فيما مضى، هل حقاً يمكن للطاقة الشمسية – أو مصادر الطاقة النظيفة بشكل عام – أن تحل محل مصادر الوقود الحفري؟
طبقاً لما قد سبق فإن تطبيقات استخدامات الوقود الحفري متنوعة، فالسيارات والحافلات والقطارات و حتي الطائرات، تحتاج العزم الميكانيكي الكبير كي تتحرك بما تحمله من حمولات وبضائع, فإن السرعة و القوة المحركة بحاجة إلى مصادر الطاقة الحفرية التي تعطي هذا العزم الميكانيكي الضخم، وإن نظرنا إلي الطاقة الشمسية في هذا الأمر فإن مقدار القدرة التي تنتجها الخلايا الشمسية هو شئ لا يذكر إذا ما قورنت بالمصادر الحفرية كالبنزين والديزل، و اللذان ينتجان الآلاف من وحدة قياس القدرة – الميجاوات – سواء أكان استخدامهما في محطات توليد الكهرباء الكبيرة أو الصغيرة , و هو أمر ليس في مصلحة الطاقة الشمسية على الإطلاق، فلولا وسائل النقل لما كان الانتشار العلمي و الثقافي في العالم بهذا الحد، و لكُنا الآن نمتطي الخيول و الجمال، فمن وجهة نظري – ولك كل الحق أن تبدي اعتراضك – أن موضوع الاستبدال في مجال النقل هو أمر بعيد – ولنقل في الوقت الحالي علي أقل تقدير.
أما مجال الإنارة و الاستخدامات الكهربية المنزلية المتنوعة , فإن بعض هذه التطبيقات بحاجة إلي القليل من القدرة الكهربية لكي تعمل الغسالات و الثلاجات وأجهزة التبريد و التكييف و غيرها، فالطاقة الشمسية في هذه الحالة قد تؤدي الغرض المنشود منها , و لكن مشكلتها تكمن في عاملين، أولهما السعر الباهظ لتركيب و صيانة مثل هذه الخلايا، و الآخر هو حجم و المكان المستخدم لتركيبها وكذلك تخزينها لاستخدامها أثناء فترات غياب المصدر الضوئي للشمس – أوقات الليل – و هو أمر شديد الحيرة و ما زال العمل عليه جاريا، فكل يوم هنالك جديد في طرق تخزين الطاقة الشمسية و طرق لتحسين الكفاءة مع العمل علي تصغير حجمها.
وقد ذكرنا استفهاما عن إمكانية استخدام الطاقة النظيفة بدون التأثير الضار للبيئة، وهنا إيجازا، يمكن الرد بأن طرق التصنيع التقليدية و المتقدمة في الوقت الحالي إنما تعتمد على استهلاك كمية كبيرة من الطاقة بمختلف أنواعها، و هو الأمر الذي يصعب علي مصادر الطاقة النظيفة تحقيقه حالياً.
خلاصة القول إن المصادر النظيفة للطاقة ليست مستعدة الآن لتسيطر علي السوق الدولي للطاقة وإن فعلاً أرادت أن تكسب الرهان فعليها بزيادة الكفاءة و وسهولة التصنيع و صغر الحجم و انخفاض السعر.
صفحة الفيسبوك | الانستجرام | تويتر | تيليجرام | جوجل نيوز