لعلك كثيرًا ما شَهِدت ذاك العَجب العُجاب في أحد الأفلام أو المقاطع الواعظة إيّانا بهذا الواعظ الأكبر والنهاية المُحقَقة (الموت).
هل لنا معايشة حياة كاملة قبل الموت؟!
هل حقًا نرى ذاك التسلسل الدقيق من أحداث حياتنا السالفة الذي تكاد سرعته تناطح سرعة البرق؟
هل لستون عامًا أو يزيدون من حياتك أن تُعاد أمام عينيك في عشر ثوانٍ أو ما يقل عن ذلك؟
نعم يا عزيزي… لعل الإجابة صادمة بعض الشيء ولعل كونها مني أنا زادت من فرصها في فعل الصدمة أكثر وأكثر وأنا أقرّ لك بأحقيتّك الكاملة في ذلك…
فأنا لم أهبط إليك من الآخرة لأقص عليك ما قد عايشته قبل ولوجي إيّاها، وأنا أيضا لست من مُريدي حضرات الموتى حيث يقصون علينا ما قد يكون أحدنا بصدده قبل الإلتحاق بهم…
ولكن حسبُك بُرهانًا ودليلا شهادة بعض ممن عاصروا ذلك ولو لدقائق، حيث عانى أحدهم من صدمة قلبية والآخر من نزيف دماغي وغيره؛ مما أعطى للقلب متنفسًا خارج الحياة ليُعاين بعضًا من هذا العالم الخفي، معلنًا هدنة لحظية؛ ليتوقف عن نشاطه المُعتاد من رسم تلك القمم وهذي القيعان على شاشة تنظرها عيون ملؤها خليط من الأمل والجزع معًا…
حيث تقول إحداهن: “إنه ليس كفيلم قياسًا حرفيًا لهذه الكلمة، ولكنّه من المذهل حقًا كم الذكريات التي تُستدعى حينها، وكأنّها قَبَعت هُنالك منْذُ قرون، وليس لعلمنا إحاطة بها”
حسنًا عَلّك اقتنعت بعض الشئ ولكنّك بالتأكيد تتساءل كما تساءل دكتور كاميرون من قبل…
أنّى لهذا الحدوث! أنّى لتلك الذكريات أن تتمثل أمامنا هكذا بهذي البراعة وذاك الإتقان!
بالتأكيد لم يكن دكتور كاميرون أول من تساءل، ولكنّه كان أول من بادر بإيجاد عِلّة هذا التساؤل؛ وكانت عِلَته في ذلك أنّ العقل يمر بمرحلتين في الثلاثين ثانية قبل الموت وهو في الحقيقة آخر أعضاء الجسم موتًا.
في أول عشر لعشرين ثانية تفقد بقية أعضاء الجسم مَدد الحياة الآتي لها من القلب كأنّها جنود في ساحة قتال محسومة، ولكنّها رُغم ذلك تبعث بمددها لعضو آخر في محاولة لإنقاذه وكأنّه شئ من الواجب يقتضي منها ذلك، وشئ من الحياة يدفعها لتُبدي بعضًا من التشَبُث بها كحشرجة الصوت وانتفاضة الجسد، لعلّه خروج الروح أيضًا يا صديقي، تلك التي هي من أمر الله ولم نُؤتَىَ من العلم بها إلا قليلًا… ثم ما إن تنتهي العشرون حتى يبدأ العقل بفقد مَدده أيضًا فالقلب لم يعُد لديه من الدماء ما يقدمها، والقائدُ يحتضرُ الآن وقد وَاتَتهُ جميعُ جُنْده بمٌددهم حتى هلكوا جميعًا ودارت الدائرة عليه. حينها يعطي إشارات عصبية كنوع من فرط النشاط العصبي الإدراكي لديه في بداية فقد الخلايا للأكسجين وإحساسها بنقصه، فَتتحد هذي الإشارات لِتُكَون ذاك التسلسل الأخير ليظهر لك كضوءٍ خافت في نهاية نفقٍ مظلم رُغم أنّك إكلينيكيّا قد فقدت بصرك ولكنْ يتمثل لك ذلك في عملية هي أقرب للحلم منها للواقع… وهنا وقد ماتت جميع خلايا العقل يغادر ساحة القتال وقد أُسقط في يده جميع محاولاته للنجاة؛ فينسحب هو وقد أدّى مهمته في إجابة سؤال موجع للكثير… “وعمره فيما أفناه؟”
إعداد: هاجر السيد
صفحة الفيسبوك | الانستجرام | تويتر | تيليجرام | جوجل نيوز