من المحتمل أنك قد سمعت بعمى الألوان achromatopsia ، و عدم قدرة المصابين به على استقبال ألوان محددة، و في الغالب قد سمعت أيضاً بالعمى الليلي nyctalopia الناتج من نقص فيتامين أ ، لكن هل سمعت يوماً بالعمى الحركي akinetopsia ؟!
ما هو العمى الحركي؟
العمى الحركي motion blindness هو عدم قدرة الشخص على رؤية حركة الأجسام ، ففي عام 1980 في مدينة ميونخ ألمانيا سجلت أول حالات العمى الحركي ، لإمرأة كانت قد تعرضت لحادث سبب لها تلفا في المخ ، و كانت شكوى المريضة غريبة بعض الشيء فهي لم تشكو من ضعف أو عدم في الرؤية لكنها شكت من أن الأجسام من حولها تبدو و كأنها تقفز فهي تتمكن من رؤية الأجسام في أوضاع و على أبعاد مختلفة لكنها لا يمكنها إدراك كيف تتغير بين هذه الأوضاع ، و بعد إجراء الفحوصات وجد أنه لا يوجد عيب في حدة البصر visual acuity أو في المجال البصري visual field. لكن ما الذي قد يسبب في فقد رؤية الحركة دون الرؤية ذاتها ؟؟
كيف نرى الاشياء؟
لفهم كيفية رؤيتنا للحركة سنتطرق بإيجاز إلى كيف تتم الرؤية ، تبدأ رؤيتنا لجسم معين بسقوط أشعة الضوء المنعكسة منه على شبكية العين ، حيث تتحول فوتونات الضوء إلى سيال عصبي يسري من الشبكية عبر الألياف العصبية حتى يصل إلى القشرة المخية الخاصة بالإبصار والتي تنقسم إلى جزئين الجزء الأولي primary visual cortex – والتي تقع في الفص القذالي من المخ occipital lobe و فيها يتم توحيد الصور المستقبلة من العينين – و التي بدورها تنقل السيالات العصبية إلى الجزء الثانوي extrastriate visual cortex ، و هذا الجزء الثانوي بدوره ينقسم إلى مسارين المسار الأمامي ventral stream المسئول عن رؤية الأشكال و الألوان لذلك يشار إليه بمسار ” ماذا ” ، والمسار الخلفي dorsal stream وهو مسئول عن استقبال العمق و السرعة و اختلاف المسافات اي حركة الأجسام والذي يشار إليه بمسار ” كيف و أين ” و هذا المسار يقع في الجهة الداخلية من الفص الصدغي medial temporal area او V5.
والأمر ليس بتلك البساطة فهناك من الوصلات المعقدة بين هذه الأجزاء تمكننا في النهاية من رؤية ما حولنا بالصورة التي تجب كما أن هذه السيالات في النهاية تؤول إلى الفص الجبهي ليضفي عليها المشاعر و الذاكرة . لذلك فإن التلف في المسار العصبي من البداية قد يؤدي إلى عيب أو فقد في قدرتنا على الرؤية ، في حين أن ما يصيب القشرة المخية من تلف يؤدي إلى فقد كيفية الرؤية .
لذا من المرجح بأن إتلاف area V5 تؤدي إلى العمى الحركي ، و هذا التلف قد يكون نتيجة لصدمة في الجمجمة ، ورم دماغي ، نزيف في القشرة المخية أو حتى قد يكون مجهول السبب.
خطورة العمى الحركي
و هنا يجب أن ندرك خطورة العمى الحركي ، فالعمى الحركي قد يكون عائق للحياة ذاتها ، تخيل عدم قدرتك على عبور الطريق ، والاصطدام المستمر بالأشخاص والأشياء ، عدم قدرتك على رؤية حركة جسدك ذاته و ترددك في أداء مهامك اليومية ، عدم قدرتك على التواصل مع الأشخاص بشكل مباشر ، ناهيك عن الأثر النفسي الناتج عن العزلة و تجنب وجود أشخاص من حولك، تخيل فقط كم القلق والاضطراب اللذين يصيبانك جراء ذلك.
تشخيص العمى الحركي
و تشخيص هذا النوع من الحالات يعتمد بشكل كبير على الأعراض و شكوى المريض بجانب استبعاد وجود ضعف في حدة البصر أو المجال البصري ، كما يرتبط في العادة بوجود المسبب في تلف القشرة المخية وهو ما يمكن إدراكه بتقنية MRI أو CT ، و في العادة لا يكون العمى الحركي هو الشكوى الوحيدة فيكون مصاحب بأعراض ناتجة عن تلف أجزاء أخرى في المخ قد تؤثر على السمع ، الكلام أو الحركة.
علاج العمى الحركي
و علاج العمى الحركي يعتمد على سبب التلف ، و حدته و امتداده ، ففي التلف الرجعي بسبب ورم أو عدوى قد يكون علاجه باستئصال الورم و استخدام المضادات الحيوية ، لكن التلف الدائم أو مجهول السبب يكمن علاجه بإعادة تأهيل المريض جسدياً و نفسياً للتأقلم مع حالته ، و ذلك بتجنب الأماكن المزدحمة بقدر الإمكان ، اصطحاب حيوان للمساعدة على السير و عبور الطريق ، تكرار المهام اليومية قد يساعد أيضا في جعلها أكثر سهولة، بجانب إشراك أقارب المريض و أصدقائه في إعادة تأهيله ، فذلك لديه عائد إيجابي في تقبله و تأقلمه لحالته .
لذا عزيزي القارئ عليك التوقف قليلاً ، و التفكير في مدى روعة مخ الإنسان و كيفية تكامل أجزائه المدهشة ، فعلى الرغم من التقدم العلمي الهائل ما زال لدينا المزيد لمعرفته عن مخ الإنسان و تكوينه المعقد .
صفحة الفيسبوك | الانستجرام | تويتر | تيليجرام | جوجل نيوز
غير مسموح بالتعليق حاليا.