يُقال عنهم أحباب الله، بلا شك هم كذلك. تلك الكائنات النقية لا تعرف معنى الغش والخداع، عالمهم نقي بفطرته. لا عنصرية، لا حروب على ثروات، الحرب الوحيدة التي يخوضونها قد تكون في محاولة إقناعك بشراء لعبةٍ جديدة لهم أو أحد أنواع العصائر مثلًا. على الرغم من بساطة تلك المرحلة العمرية إلا إنها أهم مرحلةٍ على الإطلاق في تشكيل فكر ووعي الإنسان، وللأسف الشديد كثيرًا ما نتركهم عرضةً لما يؤثر سلبًا عليهم. حيث يُعد العنف من المشكلات التي قد يتعرض لها الطفل وتؤثر عليه ولذا سنتناوله في هذا المقال سواءً من ناحية مشاهدة الأطفال له أو ممارسته ضدهم.
قديمًا ربطت الدراسات بين المدة التي يشاهد فيها الأطفال التلفاز وبين المشاكل التي ستؤثر علي صحتهم النفسية؛ كنقص تقدير الذات أو الصورة التي يكونها الشخص عن نفسه على سبيل المثال.
إلا إن دراساتٍ حديثة رجحت أن المدة ليست العامل الأساسي بل المحتوى؛ ففي دراسة تمت علي 565 طفلٍ في سن ما قبل الالتحاق بالدراسة، وُجد أن 40% منهم يعانون من مشاكل في النوم وهي نسبة كبيرة عند النظر لتلك المرحلة العمرية، فما الذي قد يؤرقهم أو يشغل بالهم في هذا السن؟
وعند الإشراف على المحتوى الذي يشاهده الأطفال، والحرص على أن يكون مناسبًا لهم بلا عنف ولا مشاهد مفزعة مع السماح لهم بنفس عدد الساعات، وجد أن النسبة قد انخفضت وأن مشاكل النوم قد قلت حدتها.
العنف ليس حصريًا على شاشات التلفاز للأسف، بل قد يشاهده الأطفال بين الآباء والأمهات. المشكلة الكبرى أن نتائج ذلك ليست لحظية فقط بل تترسخ في ذاكرة الطفل وتترك أثرًا مؤلمًا؛ ففي دراسة لـ”ميجان هولمز” أُجريت على 1125 طفلٍ تعرضوا للإهمال أو الإساءة، تم تتبعهم ومراقبة سلوكهم في مرحلة ما قبل الالتحاق بالمدارس ومرحلة رياض الأطفال، وُجد أن 14% منهم يتميزون بالعدوانية و46% يعانون من تأخر في اكتساب مهارات التواصل الاجتماعي. بينما عند التحاقهم برياض الأطفال ارتفعت نسبة العدوانية إلى 18% بينما انخفضت نسبة التأخر باكتساب المهارات الإجتماعية إلي 34%.
ليست المرحلة العمرية فقط هي ما تلعب دورًا بارزًا في حجم الضرر بل جنس الطفل أيضًا، فالذكور يصبحون كالمرايا لآبائهم عند رؤية العنف، في حين تقوم الإناث بكتم مشاعرهن ليتحول ذلك فيما بعد لاكتئابٍ أو قلقٍ دائم لا يفارقهن.
ننتقل الآن لممارسة العنف ضد الأطفال وهو الأسوء، فممارسة العنف ضد الأطفال ينتج عنه مشاكل في التعلم، اكتئاب، شخصية عنيفة، أمراض عقلية أو حتي الانتحار في نهاية الأمر.
فالعنف يولد عنفًا والكراهية تولد كراهية. إن اختلفت الدراسات في حجم الضرر الناتج عن تأثير العنف على الأطفال فهناك اتفاق على أنها مشكلةٌ تتضخم نتائجها مع مرور الوقت بدلًا من أن تقل، بل وقد تكون كالبركان الخامد الذي ينشط بصورةٍ مفاجئة كما تقول دراسة “التأثير الخامل” لهولمز.
حلول تلك المشكلة ليست صعبة المنال فهي تكمن في مراقبة المحتوى المقدم للأطفال على التلفاز، التعليم الجيد، والعلاقات الأسرية القوية والتي تعمل كالدرع الذي يحميهم من الكثير من المشاكل النفسية، وأخيرًا الكثير من الحب والاهتمام المقدم للأطفال فهم فاكهة الحاضر وأمل المستقبل.
إعداد: محمد فريد
صفحة الفيسبوك | الانستجرام | تويتر | تيليجرام | جوجل نيوز