هل سألت نفسك ولو لمرة عن سبب عشق الكثيرين لأفلام الرعب؟ لماذا قد يحب شخصٌ أن يشعرَ بالخوف، بل يمتد الأمر إلى التفكير في أمورٍ مخيفةٍ بعد الانتهاء من الفيلم؟ لماذا نعشق هذا الإحساس، ولا ننتهي عن مشاهدة تلك الأفلام التي ترفع مستوى الأدرينالين وتنغص علينا نومنا؟ هذا لو استطعنا النوم من الأساس يرى الدكتور چيفري جولدشتاين —أستاذ علم النفس الاجتماعي والتنظيمي بجامعة أوتريكت— أن الناس يحبون مشاهدة أفلام الرعب لتذوق لذة الخوف.
فعندما يرغب الإنسان في القيام بشيء مسلٍ فإنه يختار شيئًا يتفاعل معه ويكون لهذا الشيء تأثير عليه أثناء القيام به. فما بالنا بالأفلام المرعبة وتأثيرها الشديد الذي قد يتطور لدى البعض إلى خلق أجواء وطقوس خاصة أثناء مشاهدتها —مثل إغلاق أي مصدر إضاءة وغيرها— ليزيد الشخص من اندماجه معها ومع أحداثها الشيقة!
بحسب ورقة بحثية نُشرت عام 2004 يوجد ثلاثة عوامل تجذبنا لتلك الأفلام وتجعلها فاتنةً، وهي: الإحساس بالتوتر أثناء المشاهدة، وارتباطها بمعنى ثقافي لدينا أو ظاهرة إنسانية كالخوف من الموت، وكونها غير واقعية. الغريب في الأمر هو عشق الأفلام المرعبة وما بها من مشاهد مخيفة ومليئة بالدماء، في الوقت الذي قد نشمئز فيه من مشاهد أقل حدةٍ في سياقٍ واقعي.
هذا التناقض يظهر في تجربة أجراها باحثون على طلبة جامعيين؛ حيث عرضوا لهم ثلاثة فيديوهات أحدها لعملية قتل بقرة وسلخها، وآخرًا لإجراء جراحة لطفل مع إزالة جلد وجهه خلالها، وأخيرًا لتحطيم جمجمة قرد واستخراج مخه لاستخدامه كحلوى. والنتيجة كانت إغلاق 09 % منهم للفيديوهات قبل انتهائها، وحتى النسبة المتبقية منهم فأغلبهم اشمأزّ من محتواها. لكن على الرغم من ذلك ما زالوا يدفعون الأموال لدخول السينما من أجل مشاهدة تلك الأفلام في عرضها الأوّل، مما دفع الباحثين إلى طرح السؤال الذي خطر بعقلك الآن؛ ما تفسير هذا التناقض؟
لماذا يشاهد الناس افلام الرعب ؟
الإجابة كانت في الطبيعة غير الواقعية لتلك الأفلام. حيث أننا حين نشاهدها نكون مدركين لخيالتيها، مما يصنع حاجزًا نفسيًا بيننا وبين أحداث هذه الأفلام. لذلكَ نجد صغار السن —الذين غالبًا ما يتعاملون معها على كونها حقيقية— أكثرَ تضررًا منها.
وُضعت الكثير من النظريات التي تشرح شغفنا بتلك الأفلام ودافعنا تجاه مشاهدتها. منها نظرية “التطهير”؛ حيث أن مشاهدة تلك الأفلام تساهم في تطهير النفس من المشاعر السلبية، وتخفيف حدة العنف المكبوت بداخلنا لكي نستطيع مواصلة حياتنا بعد ذلك.
يرى الدكتور زولف زيلمان —أستاذ علم النفس بجامعة ألاباما— أن المشاعر السلبية التي تنتقل لنا من مشاهدة افلام الرعب تعزز بداخلنا المشاعر الإيجابية، وذلك عندما ينتصر البطل على الوحش في النهاية، وهو ما يعرف بنظرية “انتقال الإثارة”؛ فيا لها من لحظة عظيمة عند القضاء على وحوش الزومبي في فيلم “shaun of the dead“، ولكن هناك أفلام ناجحة لا ينتصر فيها البطل في النهاية، بل تكون متعة المشاهدين أعلى أثناء اللقطات .المرعبة ذاتها وليس بعد انتهائها في دراسة أخرى وُجِدت علاقة بين من يقبلون فكرة كسر القواعد أو التابوهات وحبهم للأفلام المرعبة وشغفهم الشديد بها.
على الرغم من ذلك لم تفسر هذه الدراسة الشعور بالمتعة الذي يجده هؤلاء عندما يقتل الوحش الأشخاص المخالفين للقواعد أو الأخلاقيات العامة كممارسة الجنس بصورة غير شرعية، حيث أن تلك السعادة بقتل أو تعذيب من يستحقون ذلك —في نظرهم— تُعد تناقضًا مع طبيعتهم الثائرة في حد ذاتها.
ربطت دراسة عام 1979 بين من يحصلون على مؤشر عالٍ في اختبار طلب الإثارة “sensation seeking scale” وهو اختبار يهدف للوصول— لفهم أفضل للجوانب النفسية مثل الاعتلال العقلي أو السلوك المعادي للمجتمع— وبين تفضيلهم القيام بالأشياء المثيرة كالقفز من المرتفعات بالحبال المطاطية أو التحليق بالمظلات ومشاهدة أفلام الرعب.
في حين يتجه من يسعون وراءَ اكتساب الخبرات إلى السفر والموسيقى وغيرها من الفنون، ولكن حتى هذا الربط ليس مُعبِّرًا دائمً يرى المؤرخ الثقافيّ دايڤد سكال أنّ أفلام الرعب ليست سوى انعكاس مخاوفنا كمجتمع، وترتبط كل فترة زمنية بنوعٍ معين من الأفلام؛ كأفلام الوحوش المشوَّهة في الخمسينيات نتيجة استخدام الاسلحة النووية، وأفلام الزومبي التي شهدت رواجًا خلال ستينيات القرن الماضي التي سببها الخوف من الفيتناميين، ومرة أخرى في مطلع القرن الحالي كانعكاس للخوف من الأوبئة التي “saw” الفيروسية، وسلسلة حققت نجاحًا كبيرًا أيضًا؛ والتي يعرض فيها الكاتب انتشار العديد من النماذج البشرية المنحطة التي تحتاج للتطهر من ذنوبها بخوض تجربة عناء مريرة من أجل كسب فرصة أخرى للحياة. لكن ليست كل الأفلام تندرج تحت هذه النظرية.
على الرغم من كل تلك النظريات والدراسات التي سعت لتفسير سببٍ واحدٍ أو عدة أسباب محددة لشغفنا تجاه أفلام الرعب فإن تسمية عامل واحد ستكون محاولة مجحفة وغير مقبولة؛ فالأفلام المرعبة عابرة لحدود الدول، ولا يوجد نظرية يمكن تعميمها واعتمادها على أنها تحوي تفسير دوافع جميع من يشاهدون تلك الأفلام. في الختامِ، ستظل أفلام الرعب تحتل مكانةً كبيرةً قد تصل للصدارة عند غالبية المشاهدين، وسنظل أوفياءَ لها في شغفنا وعشقنا، حتى لو لم نجدْ تفسيرًا لحبنا لِنْ أفلام الرعب ليست سوى انعكاس لمخاوفنا كمجتمع نخاف.
إعداد: محمد فريد
صفحة الفيسبوك | الانستجرام | تويتر | تيليجرام | جوجل نيوز