هذا السؤال الذي طالما حيّر العلماء الذين حاولوا تفسير التغيير الذي حدث لبعض الأشخاص بعد حوادث فارقة في حياتهم، سواء كانت حادثة أليمة جسديًا، أو نفسيًا، أو حتى مرض عضوي.
ذلك الاضطراب كثيرًا ما يتكرر، وهو ما يعرف ب PTSD “Post Traumatic Stress Disorder؛ أي اضطراب ما بعد الصدمة، والذي كان يعرف قديمًا بصدمة الجمجمة أو مرض الحرب.
و تختلف أعراض هذا المرض من شخص لأخر، ومن حادثة لأخرى؛ فهناك أشخاص تمحو أدمغتهم كل ما يتعلق بتلك الذكرى الأليمة، وهناك من يقوم عقلهم بابتكار أحداثٍ جديدةٍ تمامًا ويصدقها، أو بالأحرى يستبدلها بالأحداث المؤذية.
وضحايا الحروب ليسوا فقط المعرضين لاضطراب ما بعد الصدمة، بل أيضًا الأطفال الذين تعرضوا لأحداثٍ مؤلمة أو غريبة في أولى سنوات الإدراك، ولكن أعراض الاضطراب تظهر متأخرة فهي تظهر بعد نصف شهر وأحيانًا تأخذ سنوات لتَظهر بصورة شرسة جدًا.
يُصنَّف PTSD ضمن الأمراض النفسية السيكولوجية، والتي لها علاقة قوية بتغير كيمياء المخ، حيث اعتمدت تفسيرات العلماء على أنه بعد أي حادث أليم، يقوم المخ بحماية نفسه عن طريق آلية دفاع معينة تختلف من شخص لآخر، فهو إما أن يغير الأحداث، أو يمحوها، أو يجعلها تُعاد كشريط الفيديو في الأحلام، أو في الأماكن التي شهدت الحادث.
هناك نوع آخر نادر من الاضطراب مفيد أحيانًا، ولكنه ليس له تفسير معين، فهناك أشخاص بعد الحوادث الجسدية مثل ارتجاج المخ أو الغيبوبة يستيقظون بقدرات لم يمتلكوها قبل الحادث.
يعد الإيطالي (توني سيكوريا) مثالًا على ذلك، ففي عام 1994 ضربه البرق عندما كان يستخدم هاتف عمومي، وأجريت له عمليات في القلب والمخ، وعندما استيقظ أصبح مهتمًا فجأة بعزف البيانو ثم تأليف الموسيقى، بالرغم من أنه لم يدرس الموسيقى ولا النوتات، ولكنه قال إن النوتات بدأت تخرج من عقله وهو لا يعرف كيف.
وأيضاً (بين ماكماهون) في الثانية والعشرين من عمره تعرض لحادث وغاب عن الوعي لمدة أسبوع، وأجريت له عمليات في المخ شديدة الخطورة، وعندما استيقظ تحدث مع الممرضة الآسيوية باللغة الصينية-الماندارين- بمجرد أن فتح عينيه، ولم يكن يعرف أي شيء عن تلك اللغة أبدًا.
فسَّر البعض ذلك أن بعد الاصطدام هناك مناطق في المخ يصل لها الدم أكثر من مناطق أخرى بالمقارنة بالوضع قبل الحادث، وهو ما أدى لظهور قدرات ومهارات جديدة، لكن ذلك التفسير هو مجرد فرضية لا يوجد إثبات على صحتها.
حتى الآن نحن لا نعرف الكثير عن ذلك العضو الجبار الذي يقع فوق كتفيك، في صندوق عظمي محكم، المخ.. سبب شقاء البعض وسعادة البعض الأخر.
فربما يكون كل ما يحدث لك عقب الصدمات ما هو إلا دماغك يعبث معك.
إعداد : نهي رشاد ؛ هاجر أشرف ؛ هند أحمد.
صفحة الفيسبوك | الانستجرام | تويتر | تيليجرام | جوجل نيوز