كثيرًا ما نرى أشخاصًا فاقدين للبصر وسمعهم دقيق أو يولدوا صُمًّا فنجدهم أكثر قدرة على الاستفادة من الصور التي تراها أعينهم أو لديهم قدرة أكبر على التعرف على الأشياء من خلال لمسها، كما كان الحال مع صالح سليم في فيلم الشموع السوداء حيث كان يتمتع بسمع حاد وذلك لأنه أعمى.
اختلفت التفسيرات فهناك من يقول أنها في الأصل موهبة أو اضطرار المُصاب إلى التركيز في كل المؤثرات الخارجية واستخدامها للحصول على أكبر قدر من الإحساس لتعويض الفقد في حاسة أخرى.
ولكن هذا التعود أو التعلم لا يقف فقط عند هذا الحد، فالمخ هنا يلعب دورًا هامًا حيث يتكيف على فقدان إحدى الحواس فيعيد تشكيل الوصلات العصبية داخله من أجل استخدام أجزاء المخ التي كانت مخصصة أصلًا للحاسة التي فقدت –استخدامها لصالح حواس أخرى وبالتالى تزداد حدة هذه الحواس.
فمثلًا في حالة العمى فإن مراكز الإبصار في “القشرة القذالية” Visual Cortex يعاد استخدامها لمعالجة حواس أخرى كاللمس والسمع والذاكرة اللفظية، وفي حالة الصمم فإن المناطق المتعلقة بالسمع واللغة يعاد استخدامها لمعالجة حواس كاللمس والبصر، فيما يعرف بظاهرة الإحساس متعدد الأنماط Cross-modal Sensation
حيث تقوم إثارة عصبية واحدة من نوع واحد كاللمس مثلًا بتنشيط جزء في القشرة المخية المسؤولة عن السمع على سبيل المثال، وذلك نتيجة للتغيرات العصبية التي تحدث لأن المخ يتمتع بما يُسمى المرونة العصبية Neuroplasticity حيث يتأثر المخ بالتجارب التي نمر بها.
ففي دراسة عام 2012 في جامعة أوريغون، قام الباحثون بتصميم جهاز يوفر نفخات من الهواء على مناطق معينة في الوجه كإثارة لمسية وومضات من الضوء كإثارة بصرية.
وتمت التجربة على 13 من الصُم و 12 من الأصحاء ولاحظوا أن الصُم كان لديهم نشاط أكبر في القشرة السمعية نتيجة الإثارة البصرية واللمسية أكثر من الأصحاء.
هذه التغيرات لا تقف عند هذا الحد بل تؤثر أيضًا على الطريقة التي يتلقى بها الشخص الأصم الإحساس مما يجعله أكثر عرضة لوهم الادراك الحسى عن غيره من الأصحاء، فهناك ظاهرة تسمى “الوميض المزدوج المُحفًز صوتيًا” حيث يتعرض الإنسان لوميض واحد من الضوء معه اثنين أو أكثر من الأصوات القصيرة – يستقبلهم مجتمعين كحزمة من الومضات الضوئية وهذا ما يُسمى وهم الإدراك الحسّي Perceptual Illusion.
في هذه التجربة عدلها الباحثون باستخدام نفختين من الهواء كإثارة لمسية بدلًا من الإثارة الصوتية مع وجود وميض واحد من الضوء وكانت النتيجة أن استقبلها الصم على إنها ومضتان من الضوء، حيث لاحظوا زيادة في نشاط “تلفيف هيشل” Heschl’s gyrus حيث تقع القشرة السمعية الرئيسية، مما يعنى استخدامها لاستقبال نفخات الهواء وومضات الضوء وهذا ما لم يحدث مع الأشخاص غير الصُم.
قد يبدو أن مرونة المخ تلك مفيدة للغاية ولكن إذا استعاد الأصم سمعه فإن قدرته على الاستجابة للمؤثرات السمعية سيكون صعب، فمثلا زراعة القوقعة لأطفال أكبر من 4 سنوات مولودين بالصمم لن تحقق الفائدة المنشودة حيث سيكون هناك صعوبة في الحديث وفهم اللغة لأن القشرة السمعية تُستخدم الآن في استقبال حواس أخرى غير السمع.
إعداد: عبد الله فهمي
صفحة الفيسبوك | الانستجرام | تويتر | تيليجرام | جوجل نيوز