ربما اخطأ ذلك الصبي الجالس بجاور صديقته المفتون بها عندما قال: يا حبيبتي بحُبِكِ أكتفي، فعن حياتي أرجوكِ ألا تختفي!
الحب، كغيره من المحفزات القوية لشعور السعادة والتي من أبرزها التواصل الاجتماعي -الحقيقي وليس الالكتروني- مع الغير تجعلنا نشعر بحالة من الاكتفاء والسلام مع النفس، ولكن هنا يأتي السؤال؛ هل أفعالنا تهدف للسعادة، أم أننا نسعى للسعادة كي نتمكن من انجاز أفعالنا؟ إذا كانت السعادة هدفنا فعلا فلماذا لا نمضي جُل أوقاتنا في ما يجلب لنا السعادة بدلا من إضاعتها في أمور روتينية مملة كالعمل وتنظيف الملابس؟!
في بحث أجراه الكثير من الباحثين المتخصصين في علم النفس في جامعات مختلفة مثل هارفارد وستانفورد و MIT قام الباحثون بعمل تطبيق يراقب حياة 28 ألف مواطن أوروبي بحيث يضع لهم مقياسا للسعادة من 0 وتعني حزين جدا إلى 100 وتعني سعيد جدا فيقوم المشترك بوضع درجة حالته المزاجية بالإضافة إلى كمية المنجزات التي أنجزها يوميا مع هذه الحالة لمدة شهر.
وكانت النتيجة مخالفة للتوقعات، فعلى عكس المفهوم الشائع، لم تكن السعادة غاية بحد ذاتها لهؤلاء المشتركين، فقد ارتبطت دوما الحالة المزاجية المرتفعة للمشتركين -والتي كانت غالبا بسبب قضاء أوقاتهم مع من يحبون- بالانجازات العديدة والعكس صحيح حيث أدى الاكتئاب إلى منجزات قليلة. ترفع السعادة من انتاجية الشخص بشكل كبير، كما أنها تحسن من وظائفه العقلية والجسدية معا مما يؤدي إلى انجاز أكبر، لذا فإن ذلك جعلنا نظن أن السعادة ليست غاية في ذاتها بل هي وسيلة يستخدمها الدماغ البشري ليرفع من قدرته ويستعد لإنهاء المهام المنتظرة التي يعلم أنه واجب عليه إنهائها مثل العمل وتنظيف الملابس والاستيقاظ المبكر وغيرها من تلك الأعمال التي لا تستقيم الحياة دونها.
يقول Dr. Jordi Quoidibach أستاذ علم النفس في جامعة برشلونة وأحد رواد البحث “إننا عندما لا نمتلك الكثير من السعادة، نسعى لإعادة الامتلاء منها، وبمجرد أن تكون كافية لنا، نتحرك مباشرة لفعل تلك المهام الأخرى”
لذا فإن الأمر الآن يبدو كميزان دقيق بين شيئين، فعندما نشعر بالحزن أو الاحباط فإننا نتجنب الأعمال السالف ذكرها -التي لا تجلب السعادة- ونتوجه مباشرة إلى ما نظن أنه يجلب لنا السعادة لكي نتأهب للأعمال الأخرى ونؤديها بكفاءة، وبمجرد حصولنا عليها يكون الوقت قد حان لأداء العمل الآخر. فالحقيقة أننا لا نسعى لما يجلب لنا السعادة كهدف في حد ذاته، فهذا ليس هدفنا وإلا لتركنا غيرها من الأعمال، بل مجرد وسيلة لاواعية منا لكي نساعد أنفسنا على أداء ما نريد أن نقوم به من أعمال ونحقق ما نريده من آمال.
إعداد: محمد إيهاب
صفحة الفيسبوك | الانستجرام | تويتر | تيليجرام | جوجل نيوز