ماذا سيكون رد فعلك إذا حضرت محاضرة لتجد المحاضر يخبرك أن الخلايا العصبية يمكنها الانقسام؟! بل ويزيد أنه يمكن استرجاع الخلايا التي أُتلفت نتيجة إصابة في الجهاز العصبي وبكل سهولة؟
في الغالب أنك ستقوم بترك المحاضرة متهمًا إياه بالجنون، أو ستلجأ إلى التذاكي بإخباره أنّ ما قدّمه قديم وأنه تم إثبات ذلك من قبل في خلايا الغراء العصبي (Neuroglial cells) والخلايا العصبية النجمية (Astrocytes)، وربما تخبره أنّ هذا طبيعي في الجنين، ولكن مالا تدركه أنّ التجارب الواسعة في هذا المجال قد أسفرت عن تحويل المستحيل إلى ممكن، فقد صدرت أبحاث أخيرة تُثبت صحة الانقسام في الخلايا العصبية وتحديدًا في منطقة الـ Hippocampus، حيث لاحظ بعض الباحثون حالات من الاكتئاب تصيب مرضى السرطان بعد شِفائهم، مما أثار التساؤلات عن مصدر هذا الاكتئاب، فكانت الإجابة بسيطة إلى حد ما حيث أنّ العلاج الكيميائي لمريض السرطان يُسفر عن توقف انقسام الخلايا في جميع أجزاء الجسم ومنها الـ hippocampus —كاستثناء في نسيج المخ— المسئولة عن الذاكرة العاملة وأيضًا التقلبات المزاجية وعلى هذا الأساس عندما توقفت الانقسامات داخلها نتج عن هذا تدهور في الحالة المزاجية للمريض.
ولكن نأتي للجزء الصعب هل يمكن حقًا شفاء إصابات الجهاز العصبي؟ -الخبر السعيد أنه يُمكننا الآن ذلك، يُمكننا كذلك نسب هذا للصدفة أو لفِضول الباحثين حيث بدأ الأمر بعملية عادية لتقليل الضغط داخل الجمجمة (intracranial pressure)، وهذا بقطع جزء من الدماغ وبدلًا من التخلص منه كالعادة، قام الباحثون بدراستِه محاولين الحصول على خلايا من هذا النسيج وبعد محاولات غير ناجحة لفترة طويلة نجحوا في النهاية في الحصول علي مزرعة خلوية (culture of cells) من هذا النسيج، الغريب في الأمر أن هذه المزرعة كانت تحوي خلايا أولية (stem cells) تختلف في خصائصها عن الخلايا الأولية العادية كخلايا الجلد مثلًا، فالمُعتاد من هذا النوع من الخلايا تحديدًا أن تنقسم بدون توقف، ولكن الخلايا الأولية التي تمّ العثور عليها انقسمت عدة انقسامات ثم ماتت بعد أسابيع قليلة.
كان السؤال الجلي في هذه المرحلة من أين أتت هذه الخلايا؟ وُجد أن هناك نوعًا من الخلايا في القشرة المخية يُسمى (D cells) وهو يمثل حوالي 4% من الخلايا في القشرة، وهذه الخلايا موجودة في الأصل في الجنين، ومسئولة عن التوجيه الصحيح لنمو المخ، ما أثار حيرة الباحثين هو: ما وظيفة هذه الخلايا في البالغين عندما لا يكون هناك نمو للمخ؟! —لا نعرف— هناك فقط عدة تكهنات بأنها تساعد في عملية الشفاء المحدودة في حالة الإصابة نظرًا لوجودها بتركيزات عالية في هذه المناطق، ولكن حقًا لا توجد إجابة مطلقة.
يأتي الوقت الآن إلى المرحلة المفضلة للباحث وهي التطبيق، حيث قاموا بحقن هذه الخلايا الأولية في مخ سليم، فكانت النتيجة اختفائها نظرًا لعدم الحاجة إليها، ثم حقنها في مخ مصاب فتحولت إلى خلايا بالغة بها صفات الخلايا الأصلية قبل إصابتها، أُجريت التجربة السابقة علي قرود و بمشاهدة الفرد المعالج وُجد أن تصرفاته أصبحت أقرب إلى الطبيعية بشكل كبير، فقامَ الباحثون بإحداث إصابة في المنطقة الحركية لهذا القرد (motor area) وهي المسئولة عن تحريك أطراف الجسم بحيث ينتج عن الإصابة شللٌ في إحدي اليدين، وانتظروا حتى وصل إلى مرحلة الشفاء التلقائي، التي يصل إليها المرضى العاديين والتي تتسم بقدرة محدودة للغاية علي تحريك الطرف المصاب، وقاموا بحقنه مرة أخرى فكانت النتيجة زيادة كبيرة في نسبة شفاء المنطقة المصابة وزيادة في مدى تحريك الطرف المصاب، وحاليًا يتم العمل علي تطوير هذه التقنية غير أنها تواجه العقبات التي أصبحت معهودة في هذا المجال من التكلفة العالية وقلة الأيدي الخبيرة، ولكن على الجانب الأخر قد تكون أملًا كبيرًا في علاج الأمراض العصبية التي تُوصف بالمستحيلة كالشلل الرعاش وغيره، وفي النهاية هل مازلت تعتقد أن هناك مستحيل في العلم؟!
إعداد: جهاد مدكور
صفحة الفيسبوك | الانستجرام | تويتر | تيليجرام | جوجل نيوز