أثناء تجوالي في أحد المنتجعات في إجازة الصيف السابقة, استرعى انتباهي حشد من الناس على الشاطئ، وفي المقدمة باتجاه البحر رجل ضخم الجثة يتراقص وهو ينظر إلى كاميرا كبيرة أمامه في هيام شديد، من الواضح أنه يغني، ومن خلفه بالطبع حوالي أربعة من الفتيات، كل منهن تتلوى مثل أفعى مصابة بالصرع، بعد سؤالي تبينت أنه “الهضبة” يقوم بتسجيل آخر أعماله الفنية.
إن أول ما يتبادر إلى ذهن أي منا عندما نسمع هذا الاسم هو أكثر ما يميز هذا المغني، لقد تجاوز الخمسين من عمره بالفعل لكنه يبدو أصغر من مراهق في المدرسة الإعدادية، فلم ذلك؟
إن التقدم في السن عملية غير قابلة للمناقشة، سنّة الحياة كما يقولون، لها علامات تظهر على هيئة الإنسان الخارجية، وأخرى تطرأ على الأعضاء الداخلية (قد أشرت إليها سابقًا). “النظام الغلافي Integumentary System”.
لأصدقك القول، قبل التحاقي بالكلية لم أكن أعتقد أن الجلد عضو من أعضاء الجسم، بل أنه أحد أنظمة الجسم ذات الأهمية العالية. متوسط مساحة الجلد حوالي 2 متر مربع، فوائده بالطبع لا تحصى، إجمالًا فهو يعد أول خطوط الدفاع الطبيعية لدى الإنسان، يشكل حاجزًا أمام جراثيم وملوثات البيئة الخارجية، كما أنه يحمي الجسم من الجفاف وتبخر سوائله.
عند تقدمنا في العمر تطرأ على الجلد تغيرات كثيرة منها ضعف تماسك الطبقات الخارجية مع النسيج الضام أسفلها “subcutaneous tissue” مما يزيد من فرص حدوث التجاعيد و التقرحات، تزداد حمرة الوجه —ليس خجلا وإنما بسبب انبساط الأوعية الدموية المغذية له— و خاصة الوجنتين، بالإضافة طبعًا إلى فقدان الشعر.
إحدى العلامات المميزة وهي النقاط البنية الداكنة في الجلد، والتي تتكون بسبب تضخم بعض الخلايا المصنعة لصبغة الجلد “Melanocytes” بينما البعض الآخر يتحلل تاركًا أجزاء من الجلد فاتحة اللون وقد تصل إلى درجة الشفافية. تلتئم الجروح ببطء عند كبار السن (يستغرق الالتئام التام للجرح خمسة أسابيع ونصف بينما في صغار السن ثلاثة أسابيع ونصف) كما تزداد بشدة فرص حدوث التقرحات فوق البروزات العظمية، قد تنتج من ضغط خفيف (حوالي 35mmHg) ويكفيك أن تعلم أن الضغط الناتج عن جلوسك على الأريكة أمام التلفاز يساوي خمسة أضعاف هذه القيمة.
يحتفظ الجلد بشبابه وحيويته عن طريق تكافل فريق من الچينات مكون من حوالي 2300 چين، لكل منهم وظيفته في الحفاظ على نضارة البشرة وشبابها، مع التقدم في السن تتحور هذه الچينات و يتغير تركيبها، مما يجعلها تفقد وظيفتها، ومن أهم الوظائف التي تتأثر بالسلب عملية إنتاج ألياف الـcollagen الخاصة بتماسك الجلد، و الـelastin المسئولة عن المرونة.
بالطبع لن نغفل عن إحدى أهم علامات التقدم في السن: التجاعيد، تظهر التجاعيد في المناطق المعرضة للضوء بشكل أساسي مثل الوجه و الرقبة، تحدث كنتيجة طبيعية لاستخدام تعابير الوجه لفترات طويلة، عند الابتسام أو حتى العبوس؛ تتكون الأخاديد في الوجه، عند الشباب و الصغار يسترجع الجلد مظهره الطبيعي بعدها وذلك لمرونته، مع تقدم السن يفقد الجلد هذه القدرة وذلك لقلة ما يحتويه من ألياف الـcollagen و الـelastin، مما يحيل هذه التعرجات إلي تجاعيد دائمة، كثرة التعرض للأشعة فوق البنفسجية وبعض العادات غير الصحية مثل التدخين تؤدي إلى تسريع عملية تدمير هذه الألياف ومن ثم تعجل من ظهور التجاعيد.
في العام 2015, أنفق الأمريكيون أكثر من 121 مليار دولار على منتجات العناية بالبشرة، لمحاربة علامات التقدم في السن فقط حتى تتباهى جدة أحدهم أنها ما تزال أكثر شبابًا وحيوية من صديقتها.
بعض العلاجات المضادة لتقدم السن تعمل على تحسين الطبقة السطحية فقط من الجلد epidermis، وبعض العلاجات الحديثة تستهدف إعادة تنشيط الچينات المسئولة عن المظهر الصحى النضر للجلد، أحد تقنيات علاج التجاعيد وبقع الشمس المستخدمة حاليًا Broadband Light Therapy لوحظ معها بالفعل إعادة تنشيط 1300 من هذه الچينات، تعتمد درجة فعالية هذا العلاج على الحالة العامة للجلد قبل العلاج.
للوقاية من التجاعيد بشكل خاص ينصح بالابتعاد عن التعرض للأشعة فوق البنفسجية لفترات طويلة، وإن كان لا بد منها؛ ينصح بارتداء الملابس الواقية من الشمس، وبالطبع التوقف عن التدخين والعادات الصحية الضارة.
لحسن الحظ أن العناية بصحة الجلد و تأخير ظهور التجاعيد من أسهل ما يكون، في الواقع إن ما يحافظ على صحة الجسد عموما هو نفس ما يحافظ على صحة البشرة ونضارتها، التمارين الرياضية المستمرة والابتعاد عن التلوث قدر الإمكان تفي بالغرض على المدى الطويل، —طبعًا مع اعتبار أنك قد استمعت إلى نصيحتي في السابق وتخليت عن رقم مطعم البيتزا المفضل لك— إن الغذاء الصحي المتوازن من أهم عوامل المحافظة على مظهر البشرة، لذلك أعتقد أنه عليك أن تبدأ في التعود على مذاق حساء اليورانيوم والذي يطلقون عليه “شوربة الخضار” بدلًا من “النجرسكو” إذا كنت من الراغبين في شباب طويل الأمد.
إعداد: محمود أحمد العدل
صفحة الفيسبوك | الانستجرام | تويتر | تيليجرام | جوجل نيوز