ستيفن هوكينج — الرجل الذي عانق النجوم

ستيفن هوكينج
  |   علوم

«تذَكَّر أن تنظر إلى الأعلى حيث النجوم وليس إلى قدميك في الأسفل. حاول أن تفهم ما تراه وتتساءل عما يجعل الكون موجودًا. كن فضوليًا، ومهما بدت الحياة صعبة. إلا أن هناك دائمًا شيئًا يمكنك القيام به والنجاح فيه، المهم ألَّ تستسلم قط« قائل هذه العبارة لم يكُنْ رجاً عاديًا بل كان —كما وصفه البعض— خارقًا تشعر بالفخر لكون حياتك تزامنت مع حياته، مصدر إلهام للكثير كونه قد تعايش مع مرضٍ من أندر الأمراض وأصعبها والذي أفقده القدرة على النطق والحركة ومع ذلك لم يستسلم لقول الطبيب له بأنَّه لن يعيش أكثر من عامين. قائل العبارة هو العالم البريطاني الراحل (ستيفن هوكينج).

مولد ستيفن هوكينج

وُلِد ستيفن هوكينج في مدينة أُكسفورد ببريطانيا في 8 أبريل 1942 ، وقد صادف يوم  ولادته الذكرى ال 300 لوفاة العالم الفلكي (جاليليو)، الأمر الذي ربما كان دلالة على ولادة  فلكيّ فَذّ جديد للبشرية!  وُلد في وقت غير مستقر سياسيًّا بالمرَّة في أوروبا فكانت بريطانيا في غِمار الحرب العالمية الثانية وكان الوضع الماديّ لأسرته ليس في أحسن حالاته.

نشأة ستيفن هوكينج

نشأ هوكينج في أسرةٍ… دعنا نقول مختلفة قلياً، وربما ساهم هذا بشكلٍ أو بآخر فيما سيكون عليه  عالِمُنا في المستقبل، فقد وصف أحد الأصدقاء المقربين للعائلة كيف أنهم كانوا يتناولون طعامهم  في صمتٍ تام ودائمًا ما تجد كل فردٍ منهم غارقًا في كتابٍ يقرأه، وكانوا يهوون تربية النحل في قَبْوِ  المنزل. في مراحله الدراسية الأولى لم يكُن يبدو على هوكينج التميُّز الشديد عن زملائه إلا أن مُعلِّم  الرياضيات بِصَفِّه جعله مُغرمًا بها وزرع بداخله نواة حصدت البشرية ثمارها خال نصف القرن التالي.

ورغم أن والده كان يريد منه أن يلتحق بالجامعة لدراسة الطب إلاَ أن وَلَعَهُ بالرياضيات كان أكبر من  كل شيء وكل رأي، ولكن آنذاك لم تكُن جامعة أكسفورد لديها كلية متخصِّصَة لدراسة الرياضيات  فاختار هوكينج أن يدرس الفيزياء. وأثناء دراسته الجامعية اكتسب هوكينج شعبية كبيرة خلال ممارسته لرياضة التجديف حيث كان قائد فريق التجديف في الجامعة.

هوكينج وزوجته وبلدا

وأتم هوكينج دراسته  بأُكسفورد وحصل على شهادته وهو بسن العشرين. وقرر أن يَتْبَع شغفه لاستكمال دراسته فالتحق بجامعة كامبريدج وهناك التقى بـ)چاين وايلد) —زوجته المستقبلية الأولى وأحد أهم الحوافز  في حياته— التي مضت تشجعه على دراسته وأبحاثه، واقتباسًا من حديث هوكينج الذي وصف تلك الفترة من حياته قائلا (عندما تمت الخِطبة بيننا رُفعَت معنوياتي وأدركت أنه إذا كُنت على وشك الزواج فإنه ينبغي عليَّ العمل وإكمال ما بدأته؛ عملتُ بجُهدٍ شديد وكنت أستمتع بهذا) تزوجا في عام 1965 ، وأنجبا ثلاثة أبناء: روبرت، ولوسي، وتيموثي على الترتيب.

مرض هوكينج

وقد بدَت تلك الحياة التي حظي بها أن تكون أقرب إلى المثالية، إلَّ أن هوكينج لم يكُن يدري أنَّه  على وَشَك أن يبدأ فصل جديد من حياته سيقلبها رأسًا على عقب؛ فقد تم تشخيص هوكينج بمرض التصلب الجانبي الضموري ALS وهو مرض يصيب الأعصاب المسئولة عن حركة العضلات الهيكلية مسببًا شللً يتبعه ضمور للعضات وغالبًا الوفاة في خال خمس سنوات على الأكثر بسبب فشل عضات التنفس، وبالتحديد في حالة هوكينج توقع الأطباء أنَّه لن يعيش أكثر من عامين؛ نظرًا لإصابته به في سِن مبكرة بخاف ما اعتاد عليه الأطباء حيث أن مرضى التصلب الجانبي الضموري عادةً ما يكونون فوق سن الأربعين. على كلٍّ فقد ضرب ستيفن بكل تلك التوقعات عرض الحائط وعاش أكثر من نصف قرن —تحديدًا 55 عامًا— بعد تشخيصه بالمرض .

وفي عام 1985 أصِيبَ ستيفن هوكينج بالتهاب رئويٍّ حاد زاد من معاناته مع المرض، وقد أجريت Intel له عملية جراحية لشق حنجرته ليفقد بعدها القدرة على الكلام، بعد ذلك قامت شركة  بتطوير نظام حاسوب مكَّن هوكينج من التواصل من خال كتابة الكلمات على حاسوب باستخدام  إبهامه ليحولها الجهاز إلى عبارات منطوقة؛ وبهذا استطاع هوكينج أن يستمر بإلقاء محاضراته إلا أنه مع التقدم في السن كانت تزداد عليه شدة المرض حتى فقد السيطرة على إبهامه فكان يتم اللجوء إلى تطوير جهاز التَّحَدُّث الخاص به كل عامين ليتواكب مع ما تتطلبه حالته.

حظى هوكينج بحياة أبعد ما تكون عن العادية بخلاف ما يختاره معظمنا من الأصدقاء؛ فقد ساهم هوكينج بالعديد من أبحاث الفضاء التي ساعدتنا اليوم على فهم: نظرية الانفجار الكبير، والثقوب السوداء، واحتمالية تمدد الكون.

وتبنى هوكينج العديد من  النظريات التي لم يتم إثباتها  حتى الآن مثل وجود حيوات  أخرى خارج الأرض، وأن الكون  غير محدود بالزمان والمكان.  ظلت وايلد مصاحبةً له خال، زواجهما حتى انفصا عام 1990 وتزوج هوكينج بإحدى الممرضات  اللاتي كُنَّ يتابعنه (إيلين مايسون) عام 1995 وحظي بفترة من  التوتر في علاقته مع أبنائه.

مؤلفات هوكينج

ولكنه انفصل عن مايسون في  عام 2006 وعاد للتقرب إلى أبنائه  مرة أخرى؛ فقد شارك ستيفن  هوكينج مع إبنته لوسي —وهي  روائية— سنة 2007 في تأليف  كتب خاصة بالأطفال؛ يشرح  فيها الكون بطريقة مبسطة  وتشمل: چورچ والانفجار العظيم، وچورچ والقمر الأزرق، ومفتاح چورچ السري للكون. ولم تقتصر  مؤلفات هوكينج على تلك  المجموعة فقط فقد نشرت له عدة كتب من أشهرها: تاريخ  موجز للزمن، والتصميم العظيم،  والثقوب السوداء والأكوان  الناشئة على أكتاف العمالقة.  نال ستيفن هوكينج خال حياته  الحافلة بالعلم والشغف العديد من الجوائز والأوسمة على رأسها: الميدالية الرئاسية للحرية (وهي أرفع وسام مدني بالولايات  المتحدة)، وجائزة ووسام  ماكسويل، وجائزة ألبرت  أينشتاين، وجائزة كوبلي، وغيرها.

الرسالة الصوتية الأخيرة التي تركها هوكينج

(كان وقتًا عظيمًا أن أكون حيًّا وأقوم بالبحث في مجال الفيزياء النظرية، تصَوُّرُنا للعالم تغير بشكل كبير في الخمسين عامًا الأخيرة، وأنا سعيد لو كنت قد أسهمت بشكل بسيط في هذا التغيير. حقيقة أننا البشر —أنفسنا— عبارة عن مجموعة من الجزيئات الأساسية في الطبيعة؛ فإننا قد نجحنا في الاقتراب بهذا الشكل من فهم القوانين التي تحكمنا وتحكم الكون الذي نعيش فيه… هذه الحقيقة تعتبر نصرًا عظيمًا، أوَدُّ أن أشارك حماستي وشغفي حول هذا التحدي)

كان هذا جزءًا من الرسالة الصوتية الأخيرة التي تركها هوكينج قبل أن يستيقظ العالم على  نبأ وفاته في الرابع عشر من مارس العام الجاري؛ لندرك أننا قد خسرنا قامة علمية نادرًا ما يُعَوِّضُها الزمن. ولكن عزاءنا في النهاية أن اسم ستيفن هوكينج لن يكون أبدًا طي النسيان.

إعداد: شيرين أشرف ومحمد يسري

المؤلف - ريكاب

مجلة علوم عربية تهتم بتقديم محتوى علمي لنشر الثقافة العلمية والإحاطة بكل ما هو جديد في مجالات الهواتف الذكية والإنترنت.

لا يوجد تعليقات

كتابة تعليق