لم يكن يدرك أنه يرى!

لم يكن يدرك أنه يرى!
  |   علوم

على الرغم من تقدُّم علم الأعصاب إلا أنّ العقل البشري بتركيبه المعقد لازال لديه القدرة على إعضال العلماء وإشغالهم بحل ألغازه الفريدة. في عام 2003 أصيب مريض باثنتين من السكتات الدماغية التي سببت تلف في القشرة المخية البصرية “Primary visual cortex, area V1” -وهي أول جزء من القشرة المخية حيث تصل المعلومات البصرية- مما أدى إلى إصابته بالعمى بالرغم من أنّ العين مازالت في حالة جيدة، وبعد عدة سنوات قام العلماء بإجراء تجربة على المريض من خلال إدخاله غرفة بها كراسي وصناديق موضوعة بشكل عشوائي؛ فكانت المفاجأة أنه تمكن من تفاديهم دون الإصطدام بأيهم. فكيف وهو أعمى؟! أو بمعنى آخر كيف يكون غير مدركٍ أنه يرى -بطريقة ما- ولكنه يستجيب لما يراه؟!

بما أنّ العين والعصب البصري لم يتضررا نهائيًا عُرف هذا النوع من العمى بالعمى القشري (أي المتعلق بقشرة المخ) “cortical blindness”؛ فالعين مازالت لديها القدرة على استقبال الإشارات من المؤثرات البصرية الموجودة في مجال رؤية المريض ومن ثم يقوم المخ باستقبال الإشارات العصبية من الشبكية ويعالج ما بها من معلومات على الرغم من أنّ الشخص نفسه لا يعي إستقبال تلك الإشارات، وفي المعتاد فإن المخ يعالِج المعلومات سواء كانت هذه المعالجة بوعي أو دون وعي. وبعد خضوع المريض لأشعة الرنين المغناطيسي “MRI” وجدوا أن المخ لديه القدرة على اتخاذ القرارات بناءً على هذه المعلومات حتى قبل أن نعي أننا اتخذنا هذه القرارات.

اختصارًا، فإنّ هذا النوع من المعالجة اللاوعيية التي تمّت هو الذي مكّن المريض من تفادي العقبات التي أمامه، وفي حالات أخرى وجدوا أنهم قد يُشيروا بدقة كاملة تجاه الأشياء مع الإصرار أنهم لا يرون شيئًا حتى يتم مواجهتهم بما رأوا وإقناعهم به. على كلٍ أطلق (Lawrence Weiskrantz) مصطلح “blindsight” على هذه المعضلة التي يستجيب فيها المريض للمؤثرات البصرية التي لا يراها.

المعضلة الآن هي كيفية حدوث هذه المعالجة مادامت القشرة المخية البصرية متضررة؛ مما يرجح وجود طرق أخرى للمعالجة البصرية لا تعتمد بشكل كامل على الـ”Primary Visual Cortex” ومن ثَم تستكمل وظيفتها بعد تضرر هذا الجزء من القشرة المخية؛ إذ أنّه ليس الوحيد الذي تصل إليه المعلومات البصرية في المخ. واحدة من هذه الطرق الأخرى هي التي تمر من العين مباشرة إلى منطقة في الدماغ الأوسط “midbrain” تُدعى الـ”superior colliculus”، كما ترسل الشبكية الإشارات البصرية إلى عشرة أجزاء أخرى على الأقل في منطقة المهاد وتحت المهاد والدماغ الأوسط. الاحتمال الآخر هو أن هذه المعالجة تمت بواسطة أجزاء لم تتلف بعد داخل الـ”primary visual cortex”.

علاوة على ذلك فإنّ بعض المصابين بهذا النوع من العمى لا يستجيبوا فقط للأحداث البصرية حولهم بل بإمكانهم أيضًا إدراك مشاعر الآخرين وتعابير وجوههم والاستجابة لها تمامًا كمن يرى؛ فعلى سبيل المثال أنّهم يبتسمون تلقائيًا عند مقابلتهم لشخص آخر مبتسم وهكذا.. هذه ليست النهاية بعد فالمخ البشري منظومة معقدة كثيرة الوظائف، والتى تتم على طرق متعددة، لذا فإنّ فقدان إحدى هذه الطرق لا يعني فقدان الوظيفة تمامًا.

المؤلف - ريكاب

مجلة علوم عربية تهتم بتقديم محتوى علمي لنشر الثقافة العلمية والإحاطة بكل ما هو جديد في مجالات الهواتف الذكية والإنترنت.

لا يوجد تعليقات

كتابة تعليق