قصة الكون يرويها أصغر الجسيمات – الحلقة الثالثة

قصة الكون يرويها أصغر الجسيمات
  |   علوم

أهلًا بكم من جديد محدِّثكم (الكوارك) في الحلقة الثالثة من قصة الكون، توقفنا في الحلقة السالفة بعد مرور 300000 سنة من عمر الكون، عندها ذكرنا أنّ كثافة الكون بدأت تقل بعد تَكَون أول ذرات التاريخ؛ مما أدّى إلى مرور أول موجات ضوءٍ في التاريخ. ونستلم طرف خيط النهاية، وأستسمحك أن تمرر هذا الطرف إلى مقود خيالك ثم تطلقه ممتطيًا جوادًا يسبح في الفضاء الفسيح.

ماذا لو أخبرتك أنّ هذه الموجات استطعنا رصدها وأصبحت أهم الأدلة على صدق نظرية الانفجار العظيم، ماذا لو أخبرتك أنه بعد رصد هذه الموجات استطعنا رؤية الكون في طفولته منذ 13.7 مليار سنة حيث لا مجرات ولا نجوم ولا الصور المعتادة التي تراها للفضاء. هذه الموجات تسمى الإشعاع الكونيّ الخلفيّ “cosmic background radiation” وهاهو ميعادنا الليلة.

إنّ الضوء الذي تراه من الشمس ليس في الوقت الحالي وإنما هو في الماضي، وهي المدة التي استغرقها شعاع الضوء المنطلق من الشمس إلى الأرض وقدرها 8 دقائق. وهكذا يصل إليك الضوء بعد 8 دقائق لترى صورة الشمس الحقيقية. وأيضًا النجوم التي تراها في السماء ليلًا تتراقص وتتلألأ، إنما تراها في الماضي وهو وقت سفر ضوء النجم حتى يصل إليك؛ فربما استغرق آلاف السنين حتى يصل إليك، وعلى الجانب الآخر ربما يحتضر هذا النجم أو أخرج أنفاسه الأخيرة من الهيدروجين والهيليوم، وبالتالي فكلّما نظرت أبعد كلّما استطلعت أقدم. وتنطبق هذه القاعدة بنفس المنطق على الإشعاع الكونيّ. فقد سافرت هذه الأشعة في الكون من 13.7 مليار سنة وليست 8 دقائق كما في حال الشمس وشاهدنا صورة الكون حينها.. فهي أقدم ما نمتلك.

سافرت هذه الموجات في الفضاء تلفّ أطراف الكون من بدايته، وربما لن تصل إلى نهايته لأن الكون يتمدد هو الآخر، طافت على الكون عندما كان طفلًا واستمرت حتى شهدت ميلاد المجرات والكواكب والأرض وانفجار النجوم. تأمَّلَت عَبَق القدم وإدهاش الحداثة.

ولأن الزمن لا يُبقي شيئًا على حاله، فللأسف مع استمرار سفر هذه الموجات؛ كلما زاد طولها الموجي إلى حد خروجها من إشعاع الطيف المرئي إلى منطقة الميكرويف فنحن لا نراها، ولكن الأجهزة تفعل بالتأكيد ولعلك تتساءل أين أراها أو أسمعها! من مفارقات القدر أن الإشعاع الكوني الخلفي مسئول عن جزء من تشوش الصورة في أجهزة التلفاز، وهذا إن دلّ فإنما يدل على أن التشوّش مثيرٌ علميًا أكثر من برامج التلفاز نفسه، صورة الكون حينها تجدونها في أول تعليق، وتأمّل أنها أقدم ما نرصده عن الكون.
كيف تحوّلت هذه الصورة إلى صور الفضاء المعهودة التي يأسرنا جمالها؟
تابعوا باقي الحلقات إن كان في العمر بقية…

إعداد: محمد نصار

المؤلف - ريكاب

مجلة علوم عربية تهتم بتقديم محتوى علمي لنشر الثقافة العلمية والإحاطة بكل ما هو جديد في مجالات الهواتف الذكية والإنترنت.

لا يوجد تعليقات

كتابة تعليق