عندما تصبح آلامك مصدر راحتك!

عندما تصبح آلامك مصدر راحتك!
  |   علوم

حل الشتاء ببرودته ونهاره القصير، الإمتحانات على الأبواب والضغوطات تكاد تفتك بك، تريد أن تخفف عبئ الحياة عن كاهلك فها أنت ذا تذهب لتشاهد فريقك المفضل في مباراته بدوري الأبطال، أو تذهب لصديقك المقرب للتحدث عن أحداث يومك المكرر منذ ثلاثة أعوام… تستمع لأغنيتك المفضلة أو تذهب للمطبخ لتقوم بتحضير وجبة سريعة. ولكن هل فكرت في أن تأخذ سكينًا وتقوم بقطع جلد يدك حتى تنزف؟!  نعم ما قرأته صحيح فهذا ما يقوم به ملايين الأشخاص خصوصا صغار السن لإزالة التوتر.

هذا ما يسمى بالإصابة الذاتية اللا انتحارية (NSSI “Non-suicidal self injury”) ، وهي عادة ما تكون إصابة بقطع الجلد أو حرقه.
قديمًا، كان يعتقد الأطباء والمعالجون أن الأشخاص الذين يقومون بإيذاء أنفسهم يفعلون ذلك لمخادعة الآخرين، ولكن الأبحاث حديثًا أثبتت أن العوامل الإجتماعية لا تمثل إلا نسبة قليلة من الحالات، وهي عادة ما تكون لطلب المساعدة. مع ذلك، فهناك العديد من الأسباب لتورط الأشخاص في إيذاء أنفسهم أشهرها —وإن يبدو غريبًا بعض الشيء—:ليحظوا بشعور أفضل!

فقد أثبتت العديد من الدراسات أن إيذاء النفس من الممكن أن يؤدي للشعور بمزاج أفضل؛ فقد قامت مجموعة من العلماء بفحص أدمغة بعض الأشخاص ممن لديهم تاريخ مع الإصابة الذاتية اللا انتحارية خلال تجربة محاكاة للألم الناتج من الإصابة فوجدوا أن الألم الناتج يقلل من نشاط المناطق المسئولة عن الشعور السيئ. ومن هذه التجربة نطرح هذا السؤال المحير: كيف يمكن لهذا الألم أن يجعلنا نحظى بشعور أفضل؟

من الممكن أن نقول أن السبب وراء ذلك أن بعض الأشخاص تمتثل لهذا الألم في مخها وعلى الرغم من أن هذا العرض –NSSI- مقترن بزيادة حدِّ الألم والقدرة على التحمل فإن الأشخاص المصابون بالعرض ما زالوا يشعرون بالألم بل أنهم يشيرون إلى مدى صعوبة هذا الألم. علاوة على ذلك، إذا كان هؤلاء الأشخاص لديهم القدرة على الإمتثال للألم للشعور بالراحة، فلماذا يلجأون للإصابات المتوسطة كقطع الجلد ولا يلجأون للإصابات الكبيرة والخطيرة كبتر الأطراف؟

إجابة أخرى محتملة أن هؤلاء الأشخاص يحبون توبيخ ومعاقبة أنفسهم فيستمتعون بإصابة أنفسهم. ومع أن معاقبة النفس من المحتمل أن تكون سببًا متعلقًا إلا أنها لا يمكن أن تكون السبب الرئيسي حيث أن العقاب لا يؤدي إلا لزيادة الشعور السيئ ولا يجعلك تشعر بالراحة.

أثناء حدوث الإصابة، يُرجح وجود “شئ ما” يصاحب الشعور السيئ. هذا الشيء هو الشعور بالراحة الناتج عن إزالة الألم كما يعتقد العلماء.
لتوضيح هذا التأثير، افترض أنك في صباح يوم مشرق جميل ذهبت للطبيب لتقوم بعمل فحص شامل كعادتك كل نصف عام، الشمس ساطعة، والهواء منعش، وتشعر بسعادة، وإذ بهاتفك المحمول يهتز فهاهو طبيبك يتصل بك كالمعتاد ليطمئنك بالنتائج ولكنها ليست ككل مرة، فطبيبك يخبرك بأنك مصاب بالسرطان وحالتك متأخرة ولا أمل من العلاج. بعدها بعدة دقائق بتصل طبيبك مرة أخرى ليخبرك بأن نتائجك اختلطت بنتائج شخص آخر وأنك سليم معافى مائة بالمائة… تخيل مدى سعادتك وراحتك! وعلى الرغم من سعادتك قبل اتصاله أول مرة فسعادتك بعد اتصاله ثانِ مرة هي أضعاف مضاعفة.

العديد من الأبحاث الجدية تفترض أن بداية الألم وأيضًا إزالته لهما تأثير متشابه. فقد وجد بعض العلماء أن ذبابة الفاكهة تتجنب الروائح المتعلقة ببداية الصدمات وتقترب من الروائح المتعلقة بإزالتها. بالمثل وجد بعض العلماء أن إزالة أنواع مختلفة من الآلام في التجارب لها علاقة بتخفيف الشعور السيئ لدى الأشخاص الذين لم يقوموا بإيذاء أنفسهم من قبل. هذا الشعور بالراحة يكون أقوى لدى الأشخاص أصحاب الإضطرابات العاطفية وهذا يفسر لنا لماذا يكون الأشخاص أصحاب الإضطرابات والمشاعر السلبية الحزينة أكثر عرضة للتعرض للإصابة الذاتية اللا انتحارية وذلك لأنهم لديهم مشاعر سيئة كبيرة يحتاجون لإزالتها، وهذه المشاعر تحتاج لراحة كبيرة لتخفيفها.

وقد استطاع بعض العلماء باستخدام وسائل القياس الحيوية أن يحصلوا على بعض التأثيرات المشابهة عند إجراء التجارب على أشخاص لديهم تاريخ مع الإصابات الذاتية وأشخاص لم يقوموا بهذا الفعل من قبل. وجد العلماء حينها أن الشعور السيئ العام والشعور السيئ الناتج عن الألم يتم انتاجهم في نفس المنطقة من الدماغ، مما يعني أن مخففات الآلام ومهدئات الأعصاب هما حقيقة نفس الشيء. في الحقيقة وجد العلماء أن بعض مخففات الآلام مثل “أسيتامينوفين acetaminophen” أيضا هي مهدئات للأعصاب.

يعتقد العديد من الأشخاص أنه من الصعب تخفيف أحزانهم وتهدئة أعصابهم بالطرق التقليدية مثل التحدث مع أصدقائهم المقربين، لذلك يلجأون إلى تخفيف الألم لتخفيف أحزانهم وهذا للأسف يعني حدوث ألم مما يعني حدوث الإصابة الذاتية NSSI.
وعلى الرغم من أنها طريقة فعالة لتخفيف الأحزان، إلا أنها تجعل المريض أكثر عرضة للإنتحار كما أنها تؤثر على صحته لذا فإنها
طريقة جيدة على المدى القريب، ولكنها على المدى البعيد تحمل كوارث على صحة المريض.

إن الأغلبية العظمى من الأشخاص المصابين بهذا العرض NSSI لا يقومون بذلك لخداع الآخرين و ليس لأنهم مختلفون عنا كليًا، بل لأنهم يحتاجون للتخفيف عن أنفسهم، فيلجأون لذلك لأنهم لم يجدوا طريقة أخرى. لذلك فإن الأشخاص المنبوذون يزيد توترهم وبالتالي تزيد آلامهم.
على الرغم أن الأبحاث التي أجريت على بعض الناس أظهرت أن إيذاء الذات قد يؤدي إلى تخفيف حدة الأحزان. إلا أن ذلك لا يعني أن هذه النتائج قابلة للتعميم ويمكن تطبيقها على الجميع، حيث إن البعض قد يزداد شعوره سوءً عند إيذاء ذاته. كما أنها تجعل المريض أكثر عرضة للانتحار…
لذلك يجب علينا مساعدتهم في إيجاد طريقة أفضل للعلاج و الإبتعاد عن إيذاء أنفسهم.

ترجمة وإعداد: محمد الشبل

المؤلف - ريكاب

مجلة علوم عربية تهتم بتقديم محتوى علمي لنشر الثقافة العلمية والإحاطة بكل ما هو جديد في مجالات الهواتف الذكية والإنترنت.

لا يوجد تعليقات

كتابة تعليق