الوسواس القهري

الوسواس القهري
  |   صحة

تخيل إذا استيقظت يوما ما وبدأت في الاستعداد للذهاب إلى عملك بكل حيوية ونشاط وعند خروجك من باب المنزل يأتيك شعور بأنك لم تغلق الباب جيدا فتعود إلى منزلك لتتأكد من غلقك إياه وبعد أن تتأكد وتذهب يأتيك ذلك الشعور مرة أخرى رغم علمك بأنك قد أغلقته بالفعل وأنك لا تريد أن تفعل ذلك ولكن لا تستطيع منع نفسك فتجد ذلك الأمر يتكرر العديد من المرات ومع مختلف الأشياء مثل باب السيارة وفي النهاية، ها قد تأخرت على عملك وفقدت كل حيويتك وطاقتك ! غريب أليس كذلك ؟! وقد تظن الآن أن هذا ليس أكثر من جنون أو سيناريو لفيلم مريب ، ولكن ومن المؤسف أن هذا جزء بسيط  من حياة الملايين من البشر الذين يعانون من الوسواس القهري.

ما هو مرض الوسواس القهري؟

لنتحدث قليلا عن هذا الوسواس فهو مرض نفسي شائع يصيب العديد من الناس في مختلف الأعمار ؛ ولنكون أكثر دقة لنقل أن هذه الحالة عبارة عن حلقة مكونة من عاملين أساسين ألا وهما الوساوس وهي الأفكار التي تتوافد على عقل الشخص طوال يومه مسببة له حالة من القلق والاضطراب وأحيانا الخوف ، أما العامل الآخر فهي الأفعال والسلوكيات التي يقوم بها الشخص استجابة لهذه الوساوس محاولة منه أن يتخلص من هذا الضغط.

ما يحدث في الواقع هو أن تأتي هذه الوساوس إلى رأسك وتسيطر على تفكيرك وتجعلك تبحث عن حل يريحك من هذا التفكير المزعج وبعد أن تقوم بهذا الحل تجد أن هذا الفكرة لم تتخلى عنك ومازالت مسيطرة على تفكيرك رغم أنك تعلم أنه لا أساس لها من الصحة وأنك تريد ان تتوقف عن هذا ، فيسيطر عليك شعور بالتوتر والقلق والذي يعد إنذارا من مخك لتبدأ بالشعور بالخطر وتقوم بنفس الحل مرارا وتكرارا لتبقى سجينا في هذه الحلقة.

حتى الآن لا يوجد سبب واضح لهذه الحالة ، فبعض الأبحاث فرضت أن لها علاقة بالجينات والوراثة حيث وجد أن نسبتها بين التوائم أكثر من غيرهم خاصة التوائم الملتصقة ، ويقول بعض العلماء أنها مرتبطة بمستوى ناقل كيميائي في المخ يسمى السيرتونين فزيادة نسبة هذا الناقل عن طريق بعض الأدوية التي تقلل من استهلاكه يصاحبها تحسنا في حالة المريض ، ومن المؤسف أن هذه الحالة قد تصيب الصغار والكبار ولكن نسبة الإصابة لدى الصغار أكبر تصل إلى 45% : 65% أما عند الكبار فتتراوح بين 27% : %47

وقد وجدت بعض الحالات القليلة من الأطفال التي ظهر عليها المرض بعد تعرض الجسم لمرض أو عدوى معينة فيما يطلق عليه

PANDA : Pediatric Autoimmune Neuropsychiatric Disorder Associated with streptococcal infection  

وتكون الأعراض مفاجئة وغالبا تحدث أثناء الليل.

انواع مرض الوسواس القهري

ولسوء الحظ فإن هذا المرض له الكثير من الأشكال والأنواع التي يندرج تحتها أنواع أكثر ولكن هناك أربعة أشكال أساسية:

تتمثل في المراجعة والتدقيق ، العدوى والخوف من الأمراض ، الاكتناز والاختزان وأيضا التأمل الزائد أو الأفكار المتداخلة.

المراجعة والتدقيق تأتي من رغبة الشخص في أن يتأكد من أن كل شئ يسير بالطريقة الصحيحة بل وبأفضل طريقة خوفا من حدوث أي خطأ أو خطر ، فتجده يتأكد من غلق صنابير المياه حتى لا تتسرب المياه إلى أرجاء المنزل ويتفحص باب منزله والنوافذ وأبواب السيارة حتى لا تحدث سرقات ويراجع جواباته وخطاباته بعد كتابتها … إلى هنا قد تظن أن كل هذا طبيعيا ولكن ماذا إن أخبرتك أنه قد يفعل ذلك مئات المئات مستغرقا الكثير من الوقت قد يصل إلى ساعة أو أكثر.

العدوى والخوف من الأمراض، فهذا الشخص لديه خوف غير طبيعي من الإصابة بأي مرض ؛ فهو يخاف من لمس مقابض الأبواب، مصافحة الآخرين ،التواجد في زحام وغيرها الكثير .. كل ذلك خوفا من العدوى والميكروبات وجميع هذه العوامل تعد عوامل خارجية ولكن يتضمن هذا النوع عامل نفسي وداخلي أيضا ، فعندما يشعر بأي اضطهاد نفسي أو جسدي يأتيه شعور بعدم النظافة الشخصية وأنه يتوجب عليه الاستحمام والاغتسال حتى يزول هذا الإحساس وهو لا يعلم أنه قد يضر نفسه نتيجة هذا الاستخدام المفرط للمواد الكيميائية في التنظيف وكذلك الحك المستمر لجلده وخاصة اليدين.

أما عن الاكتناز والاختزان فهو يتمثل في عدم قدرة الشخص على التفريط في أي من ممتلكاته القديمة ويجدها شئ أساسي ومهم لمسار حياته بينما في الواقع قد لا يتذكرها!

وأخيرا التفكير الزائد أو الأفكار المتداخلة فذلك الشخص لا يخلو رأسه أبدا من  التفكير حول مواضيع ليست بالمهمة ولكن بالنسبة له فإن تساؤلاته وأفكاره هذه ذات قيمة كبيرة  وليت هذا النوع يقتصر على ذلك فقط بل يتضمن العديد من الجوانب :

فقد يكون هذا التفكير مرتبطا بعلاقته بمن حوله فيدقق في تفاصيل هذه العلاقات وينظر على مدى حب الناس له ومدى استحقاقهم لهذا الحب والثقة ، وهذا التحليل الزائد في كثير من الأحيان قيد يكون السبب في إنهاء كثيرا من هذه العلاقات ليبقى الشخص وحيدا مع مزيدا من التساؤلات.

أو يكون هذا التأمل على هيئة التركيز والانتباه بشدة إلى جزء أو عضو من أعضاء جسمه مثل معدل التنفس أو ابتلاعه للطعام أو حركة جفونه و رموشه محاولا التحكم بها .في بعض الأحيان تجد المريض يتجنب التفكير في موضوع معين أو فكرة سيئة اعتقادا منه أنها بذلك سوف تتحقق فمثلا يتجنب التفكير في خسارة أو أذى شخص عزيز عليه ، أو فكرة نزاعه مع شخص ما لدرجة تجعله يتلاشى ذلك الشخص حتى لا يحدث النزاع الذي تصوره ، وإذا كان لديه اعتقادا بأن رقما ما أو يوما ما له حظ سئ أو جيد فمن الصعب جدا تغيير هذه الفكرة.

قد نرى هذا التفكير قائم على الدين والإيمان فيبدأ يشكك في دينه وعلاقته بربه ويرى أنه مقصرا في أداء فروضه حتى وإن لم يكن كذلك وأيضا قد يكون هذا التفكير قائم على أفكار جنسية أو فلسفية .ومن الممكن أن تكون أفكاره هذه عن احتمالية إيذائه لغيره فيدفعه هذا أن يرى نفسه شخصا سيئا غير جدير بالاحترام لأسباب لا وجود لها ، من المحتمل أن يتحفز ذلك التفكير بمجرد رؤية شيئا ما أو شخصا ما ؛ فمثلا إذا كان مع أصدقائه أو عائلته ورأى سكينا تنهال عليه أفكار كثيرة بأنه سوف يؤذي الآخرين، ولذلك تجد دائما رأس ذلك الشخص مثل المصنع الممتلئ بالأصوات.

أظن الآن أنه بدأ يساورك القلق وبدأت تتساءل إذا كنت مصابا بأحد أنواع هذا الوسواس أم لا؟!

حسنا دعنا نتفق انه لابد من توافر بعض الأساسيات حتى تحكم على شخصا أنه يعاني من هذا المرض وهي أن يكون لديه الكثير من الوساوس التي تلاحقه كثيرا ، ليس ذلك فقط بل إنه يستجيب لهذه الوساوس ويحاول حل كل منها وأن ذلك كله يستغرق جزء كبير من وقته ويمنعه من آداء مهامه .. فمن منا لا يفعل ذلك ؟! ولكن إذا لاحظت أن هذا الأفعال بدأت تسيطر على تفكيرك وحياتك بشكل ملفت فهنا ينبغي عليك أن تستعين بـ طبيبك النفسي.

علاج الوسواس القهري

ويأتي السؤال المهم هنا هو عن كيفية العلاج من هذا المرض … لعلاج الوسواس القهري يجب زيارة الطبيب النفسي الذي يقوم بتحديد مواعيد ثابتة لجلسات علاجية و يتم تحديد نظام الجلسة و المدة بين كل واحدة والأخرى طبقا لما تتطلبه حالة المريض بالإضافة إلى العلاج بالأدوية التي يصفها الطبيب و التي تساعد عمله في هذه الجلسات و هذه هي الطريقة الأساسية المتبعة في العلاج والتي علي أساسها تم علاج ٧٠% من مرضى الوسواس القهري.

و يوجد اكثر من نظام لهذه الجلسات العلاجية مثل:

الجلسات التقليدية

يزور فيها المريض طبيبه في جلسة فردية تتراوح مدتها من ٤٥ الى ٥٠ دقيقة ويتحدد عدد الجلسات من قبل الطبيب طبقا لما تتطلبه حالة المريض.

الجلسات المكثفة

التي يقوم فيها المريض بحضور جلسة جماعية تضم مجموعة من المرضى والطبيب المعالج لهم مرة واحدة في اليوم و لأكثر من يوم اسبوعيا.

العلاج اليومي

يقوم المريض بحضور جلسات صباحية في مصحة نفسية سواء فردية أو جماعية من الساعة التاسعة صباحا وحتى الخامسة مساء لخمسة ايام بالاسبوع.

المرضى الداخليين

يتم وضع المرضى في وحدات مغلقة داخل مصحة نفسية و هذا اعلي مستوي رعاية لمرضي الوسواس القهري الذين يصبح مرضهم خطرا لهم يهدد حياتهم.

و للعلم، إصابتك بالوسواس القهري لا تعني أن حياتك سوف تتعطل و تمتنع عن الابداع و التميز فهناك الكثير من المشاهير مصابون بهذا المرض و هم على الرغم من ذلك من أكثر المشاهير تميزا وابداعا و منهم :

  • ليوناردو ديكابريو الذي يعاني من الوسواس القهري و يقول انه سمح لحالته أن تسوء ليلعب دوره في فيلم Aviator.
  • چيسيكا البا و التي تحدثت عن مرضها بالوسواس القهري  اثناء احد لقاءاتها قائلة:” لقد كان هلعا يصيبني و يشعرني أن علي فعل شيء ما، وعندما افعل هذا الشيء اصبح بخير… لقد كنت حقا في حاجة إلى التحكم بشيء ما.”
  • كاتي بيري المصابة بالوسواس القهري و التي تقول انها تغسل اسنانها من ٤ الى ٦ مرات يوميا.
  • لاعب كرة القدم الشهير ديڤيد بيكهام قد اعترف بمعاناته من الوسواس القهري الذي يجعله في حاجة إلى إعادة ترتيب غرف الفنادق التي يزورها لكي يشعر بالراحة فيها.
  • ألبرت أينشتاين الذي يعتقد المؤرخون أنه عانى من الوسواس القهري مثل الكثير من الشخصيات حادة الذكاء
  • نيكولا تسلا الذي يعتقد المؤرخون أنه عاني من وسواس قهري في سنواته الاخيرة.

المؤلف - ريكاب

مجلة علوم عربية تهتم بتقديم محتوى علمي لنشر الثقافة العلمية والإحاطة بكل ما هو جديد في مجالات الهواتف الذكية والإنترنت.

لا يوجد تعليقات

كتابة تعليق